لا أعرفها بشكل شخصي، ولم نلتق في أي مناسبة من قبل، لكنني أتابعها على منصة التدوين القصيرة "تويتر".. أتابع تدويناتها عن مصر باهتمام أكبر، أجد دقة اختياراتها، خاصة الإنسانية منها، والتي تعكس ذوقًا رفيعًا عن مصر وأهلها.. إنها لينا ناتاشا ليند، سفيرة النرويج بالقاهرة.
بعيدًا عن تغريداتها السياسية الخاصة بعملها الدبلوماسي، والتي لا أناقشها في هذا المقال، تنشر لينا صورًا كثيرة من داخل المجتمع المصري.. تلك الصور عالية الكفاءة وواضحة الاتقان وزاوية التصوير تطغى عليها الروح الإنسانية وعمق الحياة اليومية للمصريين.
نشرت في إحدى التغريدات صورة لسيارة "ربع نقل" توزع البيض على محلات القاهرة.. وكتبت عليها "في القاهرة، يمكن لبعض السائقين المهرة عبور المدينة ويبدو ذلك في شاحنة ربع نقل صغيرة مكدسة بالبيض دون أن تكسر واحدة.. إنه عمل توازني!!".
التغريدة جذبت تعليقات عديد من المصريين، من بينهم فنانون ودكاترة جامعة ومواطنون لكن أعجبني هذا التعليق الذي أنقله حرفيا: "سفيرة النرويج في مصر منبهرة بنص نقل، بينقل بيض من غير ما ولا واحدة تتكسر، فاضل نوريها الشباب اللي شايل عيش بلدي على راسه على العجلة، اشطر من بتوع سيرك دي سولاي"
صاحب التغريدة يعتقد أن السفيرة لا تعرف عن قفص العيش الذي يحمله عامل الفرن فوق رأسه لتوزيع العيش على المحلات، لكنها بالفعل كانت قد نشرت صورة من قبل عن بائع العيش على دراجته في شوارع القاهرة.. ثم نشرت بعدها صورة أخرى لبائع خبز وهو يمر بدراجته في شارع قديم بينما تتمشى بجانبه سيدتان تحمل إحداهما مظلة ليحتميان من حر الشمس.. وكتبت لينا على الصورة: "للابتعاد عن حرارة الشمس في يوم حر في القاهرة، بائع الخبر على دراجته يفعل ذلك"، والمعنى أن البائع يحتمي من الشمس بلقمة عيشة.
صور كثيرة تنقلها السفيرة، عن القطط التي تنتظر فتات الطعام تحت أقدام البائعين في السوق المحلي، عن الناس البسيطة وضحكاتها الجميلة التي تطل من نوافذ بيوت القاهرة القديمة، عن الصبية الذين يمرحون على طاولات البلياردو وتنس الطاولة في الشوارع.. عن جمال إسكندرية الكلاسيكية وروعتها، عن الشبان الذين ينظفون البيئة في مياه البحر الأحمر.. وغيرها الكثير والكثير.
السفيرة تتعمق كثيرًا في المجتمع المصري، تعرض صورتنا في عينيها من خلال حسابها على تويتر.
وكل الناس حول العالم تحب هذه اللعبة.. لعبة كيف يرى الغرباء مجتمعنا؟!.. كيف يُعلقون على أحداثنا اليومية وعملنا وحياتنا؟! الناس تحب ذلك في كل مكان وفي كل البلاد وعبر التاريخ.. الناس تحب أن تُنقل الحياة عنهم كما هي مع لمسة إنسانية تشرح كم هم مجهدون ومتعبون ويعانون، لأن الجميع يكافح ولا يحب التنظير والتضييق والنصائح التي لا تراعي الظروف.
كتب السياسة تعرف الدبلوماسية بأنها فن إدارة العلاقات بين الدول.. والدول عبارة عن مجموعة من البشر بينهم عملية اتصال وتحدث تفاعلات بينهم وعلاقات مختلفة.. لذلك يعرف الدبلوماسي بأنه مبعوث حضارة لدى حضارة.. لذلك ينجح كل دبلوماسي يعرض حضارة غيره دون التقليل منها.
تويتر: https://twitter.com/TantawiPress