Close ad

مغالطات الشرق والغرب فى ليبيا

17-9-2020 | 15:53

تعمدت بعض وسائل الإعلام العربية والأجنبية عند التطرق إلى مصر والأزمة الليبية حصر المسألة فى نطاق خصوصية العلاقة مع منطقة الشرق بحكم الجوار الجغرافي، ويتغافلون جهلا أو عمدا الروابط الوطيدة بكل أنحاء ليبيا، شرقا وغربا وجنوبا، ومن بنغازى إلى طرابلس إلى سبها، ودون تفرقة سياسية أو مجتمعية.استضافت القاهرة خلال الأيام الماضية عشر شخصيات، منهم أعضاء فى البرلمان، وأعضاء فى المجلس الأعلى للدولة، وممثلون لمناطق وازنة، ينحدرون من غرب ليبيا. وناقشوا مع مسئولين فى مصر الكثير من تفاصيل الأزمة وحلها.

وأكدوا أنهم لم يلمسوا انحيازا مصريا لمنطقة على حساب أخري، وسبقتهم وسوف تلحق بهم شخصيات من كافة أنحاء ليبيا على مستويات مختلفة. وهو ما يفسر لماذا أصبحت مصر أكثر دراية من غيرها فى تقييم ما يجرى هناك؟ ولماذا تقصدها للحوار رئاسة البعثة الأممية والدول الأوروبية وروسيا وأمريكا وكل المهتمين بالأزمة؟ هدف استقبال الوفد القادم من غرب ليبيا، بصفتهم المناطقية وليست السياسية، إلى تعزيز الرسائل السابقة بشأن عدم التفرقة المصرية بين الليبيين، وفتح نافذة لتوحيد مجلس النواب، ووقف التقسيم الحاصل بين برلمان طبرق وبرلمان طرابلس، وفرملة ما ينطوى عليه من إيحاء بأن هذا يمثل فريقا وذاك يعبر عن الفريق المناهض له. من الضرورى النظر إلى المشكلة بصورة أعمق، فهناك مغالطات فى هذا التصنيف، ويصعب القبول به على علاته لما يحمله من ترسيخ لفكرة الفصل بين الأقاليم. كما أن هناك نسبة من المستقلين تتزايد، ولها تحفظات واضحة على الأداء العام الذى يحكم هذا التصنيف، وتعمل بجدية على توحيد البرلمان، فهو الجسم المنتخب الوحيد، الذى يحظى بغطاء دستوري، وسوف تقع على عاتقه مهام سياسية كبيرة لاحقا. يبدو استمرار العزف على نغمة شرق وغرب خطرا واضحا، ويحمل إصرارا على مواصلة التضحية بالجنوب، لأن حصر توزيع السلطة والثروة وتقديمهما على أنهما السبب فى النزاع بين الجانبين يجعل الجنوب لا يغادر ساحة التهميش. وتحاول مصر تحاشى هذه النقطة، فأحد مفاتيح التعامل الإيجابى مع الأزمة يأتى من تذويب الهوة بين الأقاليم وشعور أبنائها بالغبن، وعدم السماح بمناقشة المعاناة على قاعدة الجغرافيا، حيث فتحت الباب لدخول الكثير من الشياطين. تحدثت فى لقاء مع إحدى المحطات العربية مؤخرا عن عبقرية موقف مصر فى ليبيا، وقدرتها على نسج شبكة جيدة من العلاقات مع عدد كبير من الدول والأطراف المتنافرة، وبدا حديثى مثيرا للست المذيعة، لكن أكدت لها أن هذا كلام يندرج فى إطار التحليل السياسي، وليس الموقف الوطنى العاطفي.

من يمعن النظر فى السيرة والمسيرة سيضع يده بسهولة على الحقيقة، غير أن التصنيف الذى يتعمد البعض التركيز عليه أوجد قدرا من التشويش، ما أدى إلى شيوع انطباع خاطئ بأن مصر لا تقف على مسافة واحدة من القوى الليبية، وتحكمها حسابات سياسية، ولها مآرب فى الشرق ولا يهمها ما يجرى فى الغرب. يصعب التمييز سياسيا ومناطقيا وقبليا بين من يقيمون فى مصر، أو تطأ أقدامهم أرضها بغرض الزيارة. فكل الأطياف تأتى بلا انقطاع، ولا تزال، إلى القاهرة والإسكندرية ومرسى مطروح والفيوم، وزارت غالبية المحافظات المصرية. وهو توجه لم يتبدل قبل الأزمة الحالية أو بعدها. وحاول كثيرون حصر العلاقة فى نطاق إقليم محدد لتظهر مصر كأنها تدافع عن مصالحها المباشرة وتنتصر لطرف معين.

تجاهل من وقفوا وراء ذلك أن الروابط لم تنفصل مع أى من أقاليم ليبيا الرئيسية والفرعية، وأرادوا إيجاد حساسية والتشكيك فى المواقف المصرية لمنع تقديم رؤية شاملة. فعندما يتم تأييد المؤسسة العسكرية بقيادة المشير خليفة حفتر يُقال إنها تؤيده لشخصه دون اهتمام بأن الرجل ينتمى لمؤسسة عريقة ويعمل من أجل توحيد صفوفها، فى وقت تعلن فيه مصر تأييدها لكل جهة نظامية لا ترضخ لسيطرة الميليشيات والعصابات والمرتزقة، وترفض الوصاية الأجنبية، وتتصدى للتدخلات الخارجية.

لم تتبدل هذه المعادلة فى أى مرحلة، مع الجيش وفى جميع المجالات، فالمعيار الذى يحكم كل تصرف هو توحيد المؤسسات الرسمية، بصرف النظر عن الأماكن التى ينحدر منها الأشخاص. فالمشير حفتر نفسه جاء من غرب ليبيا ويقيم فى شرقها، وعدد كبير من المنتمين للجيش الوطنى كذلك، فضلا عن نسبة تمثيل واضحة من الشرق والجنوب، ما منح هذه المؤسسة الصفة الوطنية ونزعها عن الأجسام الموازية.

يرمى الفصل بين المكونات إلى إيجاد ذرائع للعزل المناطقي، ويمهد التربة لسيناريوهات غير مستبعد أن تقود إلى تقسيم ليبيا، ويهدى تركيا مبررات للتمركز بكثافة فى الغرب وتسويق دعمها العسكري. وفى المحصلة يريد هذا الاتجاه قطع الطريق على مصر كواحدة من أهم الدول فى المنطقة التى تطرح حلولا سياسية سلمية، وتعمل للحفاظ على وحدة الدولة الليبية وضمان أمنها واستقرارها. تجنبت القاهرة النفاق، كما يفعل كثيرون، وطرحت رؤى عقلانية، وتبنت سياسة واضحة للتسوية، ولا يستطيع أحد اتهامها بالمتاجرة بمعاناة الشعب الليبي، حيث تفعل تركيا أو غيرها. وعندما لوحت بالتدخل العسكرى وحدد الرئيس عبدالفتاح السيسى خطا أحمر لم يقصره على الشرق، بل رسمه فيما هو أبعد، فى سرت والجفرة، بالتالى حماية الثروة النفطية التى لا تزال مطمعا لعدد كبير من القوى المتصارعة. يعرقل هؤلاء تحريك عملية التسوية للأمام مادامت تتعارض مع مصالحهم، ويوفرون غطاء سياسيا لاستمرار الاحتلال التركي، ويغضون الطرف عن جيوش المرتزقة والإرهابيين، ويمتنعون عن الدخول فى مناقشة جادة حول مصير الميليشيات، والتفاهم حول الآليات اللازمة لتسريحهم والتخلص منهم، ويمعنون فى الحديث عن الفواصل بين الشرق والغرب، كى تظل المحاور الرئيسية للحل تائهة إلى حين يتمكن كل طرف متورط فى الأزمة الحصول على مغانم معينة وترتيب أوراقه. 

نقلا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مصر لم تغب عن ليبيا

اعتبر البعض زيارة وفد مصري هذا الأسبوع لطرابلس لترتيب إعادة فتح السفارة في العاصمة الليبية، والقنصلية في مدينة بنغازي، خطوة لاستعادة دور مصر فى ليبيا،

الواقعية المصرية والتهور التركي

يُحسب للرئيس عبدالفتاح السيسي قدرته على التعامل بواقعية مع الأزمات الخارجية، والتي تراعي مصالح مصر في ظل خرائط إقليمية معقدة، وتفاعلات دولية غامضة.

القوة الناعمة والقوة الخشنة بعد كورونا

حاولت البحث عن فكرة مناسبة لهذا الأسبوع بعيدا عن كورونا فلم أجد. كلما لاحت في الأفق فكرة وجدتها تصب في هذه الجائحة من قريب أو بعيد. أصبحت حياتنا تبدأ بالاطلاع

الأكثر قراءة