خلال النصف الثانى من التسعينيات، تابعت عن قرب المؤتمرات السنوية للأحزاب البريطانية. نقاشات جادة وجلسات عمل وندوات. الأصوات الناقدة موجودة برغم تركيز الكاميرات على زعيم الحزب وفريقه. مؤتمرات الأحزاب الأمريكية عالم مختلف. لا نقاشات ولا حوارات، فقط خطب تمدح الرئيس أو القائد. سباق فى الإشادات أو الهجوم على الخصوم. العزف المنفرد ممنوع.
الحزبان الديمقراطى والجمهورى يجتمعان كل 4 سنوات لاختيار مرشح كل منها للرئاسة. المؤتمر مهرجان كرنفالي، أضواؤه المبهرة أهم من الأفكار، وضخامة المكان وبهرجته أهم من النقاشات. هذا العام، حرمت كورونا الأعضاء من اللقاءات المباشرة، فأصروا على عدم التضحية بالتقاليد، فانتقلت البهرجة من المكان والأزياء إلى الكلام. ألقيت قصائد مدح عصماء للمرشح وأخرى تذم بأقذع الألفاظ وأحط الصفات الخصم. الديمقراطيون صوروا بايدن منقذا لأمريكا من كوارث ترامب.
لكن ما حدث بمؤتمر الجمهوريين فاق الوصف. تحدث المشاركون، كما لو كانوا أهل الكهف ناموا طيلة 4 سنوات. صوروا ترامب على أنه نسخة 2016، مازال محتفظا بنقائه لم تلوثه أعماله ولم يخطئ. رب أسرة عطوف وسعيد وهادئ. صديق للأمريكيين السود. باختصار زعيم كامل الأوصاف تحتاجه أمريكا. وحتى الذين تحدثوا عما فعله خلال رئاسته، خلقوا واقعا بديلا. ترامب غير حياتنا للأفضل. تكلموا عن كورونا بصيغة الماضى، وكأن أمريكا تخلصت من الوباء الذى أودى بحياة ما يقارب 180 ألفا وأصاب نحو ستة ملايين شخص حتى الآن. مارسوا دور محام يدافع عن موكله ويصوره صانعًا للمعجزات وليس متهمًا.
المشكلة أن الواقع بمكان آخر تمامًا. الأمريكيون كانوا مستيقظين عندما تعامل ترامب باستهانة مع كورونا، وعندما نجح فى إنعاش الاقتصاد الذي تراجع بشدة ليفقد الملايين وظائفهم بسبب الوباء. وكانوا منتبهين عندما أجاد لعبة شن الحروب الصغيرة على خصومه بالداخل والخارج، وأجج النعرات العنصرية والعرقية. هل يقتنعون بأن العالم الافتراضى الذى يروج له الجمهوريون حقيقة؟ وهل تؤتى إسترتيجية الرعب والصدمة - التي تتهم الديمقراطيين بأنهم ضد الله وأنهم سينزعون أسلحة الأمريكيين ويفرغون السجون ويحبسون الناس في منازلهم - ثمارها ويفوز ترامب. كل شيء وارد عند الأمريكيين.
[email protected]
* نقلًا عن صحيفة الأهرام