Close ad

من بيروت.. إلى سد النهضة.. إلى بورسعيد

16-8-2020 | 14:55

كأنني كنت هناك واحترقت وسطهم وطار رأسي أو ذراعي فماذا تبقي من أوضاع هذه الأمة لا يزلزل ويمزق العقل والروح ... عشت لحظات الرعب للانفجار المروع وتحول البشر إلي أشلاء وبقايا ذكريات حزينة تحت انقاض انفجار الفساد السياسي والاقتصادي والطائفي وصراع ميليشيات مسلحة تستقوي بها جماعات وأحزاب وطوائف داخل وطن واحد مزقوه إلي كيانات متصارعة ودون مبالاة بما تستقوي به الأمم من وحدة صفوف ابنائها ولا بعدو أصبح هو الكيان الوحيد الآمن في المنطقة ويتوغل ويتوحش ويتمدد ويلتهم ما تبقي من جسد وطن يتآكل بجذام الأنانية والطائفية ويصلون به إلي انفجار أقرب إلي الانفجار النووي! ستكون كارثة اكبر من الانفجار وخسائره وضحاياه البشرية والمادية ألا تتسارع تحقيقات عاجلة وشفافة وموثقة تقدم للعدالة شركاء وصناع الانفجار المروع وقبل أن تضيع وتخفي الحقائق ويتأكد شبه المؤكد أن إعلان الحقيقة وإدانة ومحاسبة الضالعين فيها من المستحيلات في هذه الأمة!.

. فوق أشلاء وطن يتمزق ويضيع أي حزب أو جماعة ممكن أن يدعي الوطنية أو ربما ترويع العدو الصهيوني .. هذا الترويع الذي لم نلحظ مؤشرا عليه حتي اليوم؟! إنني أتفهم دوافع غضب أبناء لبنان والمدي الذي وصلت إليه بعض أشكال التعبير عنه ورغم ما يمكن أن يضيفه إلي شلالات الدم والعنف والانهيار الاقتصادي والصحي، ولكن القبول بتمادي أشكال الغضب لا يمكن أن يدخل تحتها أو القبول تحت غطائها باستدعاء الانتداب الفرنسي والدعوة بكتابة وثائق موقعة ترحب بزيارة الرئيس الفرنسي والانتداب الفرنسي! ذكرني هذا الرأي المليء باليأس والقنوط, مع افتراض حسن نوايا أصحابها، والقدوم العاجل فور المأساة للرئيس الفرنسي الي بيروت وكأن لبنان مازالت تحت الوصاية والانتداب الفرنسي! أقول ذكرني مع الفارق بالطبع بما يقال إنه يتردد الآن في بورسعيد من مؤيدي عودة تمثال ديليسبس إلي مدخل قناة السويس سيكون في إطار احتفالية عالمية ضخمة يحضرها الرئيس الفرنسي وربما تصل تخاريفهم وأوهامهم إلي الحلم بإعادة المشهد المأساوي للاحتفالية الضخمة التي أقامها الخديوي إسماعيل لملوك أوروبا ومن أجل عودتهم سافر إلي اوروبا مصطحبا سفراءهم حيث قضي الانفاق والسفه الاسطوري علي ما تبقي في خزانة مصر وقاد إلي اعلان افلاسها وينسي أصحاب هذه الأوهام أن مصر بعد ثورات شعبها ليست مصر التي حكمها الاستعمار ومندوبوه وممثلوه ومنهم ديليسبس أو ربما لأن المنصة التي استقبلت الملوك وعلي رأسهم الإمبراطورة أوجيني بحديقة فريال قد أعادها محافظ بورسعيد رغم ما يتردد عن التشوهات التي حدثت للحديقة التاريخية!.

. وأعود إلي قضيتي الأساسية عما حدث في بيروت وأتساءل ان لم يكن مثل هذا الانفجار الأقرب إلي انفجار نووي بكل توابعه وما سيتوالي من هذه التوابع ستقود وتفرض واقعا جديدا وتغييرا مصيريا يضع نهاية جادة وحاسمة للفساد السياسي والمالي والاقتصادي والانقسام الحزبي والطائفي بميليشياته المسلحة فماذا يمكن أن يفعل ويضمن الا تتكرر المأساة؟!

- بعد أن دفعت الشعوب مئات الآلاف من الشهداء والضحايا من أغلي أبنائها ثمنا للتحرر للأسف ظهر أن من بيننا من لا يقلون خطورة وأوصلوا بلادهم ربما لما لم يستطيعه المستعمر وأوصلنا الي أخطر ما يمكن ان يحسه او يتوهمه مواطن أن إنقاذ بلاده يحققه عودة الاستعمار أو تجديد روابط بلاده به، وإعادة رفع وتنصيب وتعظيم رموزهم!.

.ومع اختلاف تفاصيل ما ارتكب فالمشهد المأساوي في مجمله يشارك فيه غياب احترام إرادة الشعوب وعدم إقامة العدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية وتوفير مقومات العيش الآمن والقضاء علي جميع أشكال التمييز والسعي الجاد لبناء مؤسسات مدنية ديمقراطية حديثة والاعتماد علي أعلي الخبراء والمتخصصين من مختلف الأطياف الوطنية الذين تمتلئ بهم كل امة والإيمان بقيمة وأهمية الحريات المسئولة.

. في مقال الأسبوع الماضي .. سد النهضة جريمة استعمارية أخري, لم تتح المساحة تناول خطر نبه إليه الخبراء والمتخصصون وطالبوا بالالتفات إليه ووضعه في الاعتبار في أزمات المياه في الشرق الأوسط وهو عن دور إسرائيل وما تفعله في منابع النيل وفي دول حوضه وكيف يتزايد هذا الدور منذ نهايات القرن الماضي ... وذكرتني المخططات المعلنة والخافية لإسرائيل في مياه الدول العربية المحيطة بها وتداخلها في قضية سد النهضة, بتصريح مهم للقائد الذهبي للشهيد الفريق عبد المنعم رياض يحذر وينبه أن إسرائيل ستواصل تنفيذ مخططاتها في ظل السلام ما لم تستطيعه بالحروب مع مصر!. تؤكد عديد من الدراسات المستقبلية لأوضاع المياه في الشرق الأوسط أن الصراع المستقبلي الذي يجب أن تستعد له كل الأطراف الدولية والإقليمية والذي قد يصل في إحدي مراحله إلي حافة الحرب وهو ما أثق أن مصر لا تريده بقدر ما أن الحفاظ علي حق الحياة الذي يمثله حقها في مياه النيل ليس محل مساومة أو تهاون ويعطيها حق اللجوء لجميع الإجراءات لحمايته.

-البطل محمد مهران .. والمناضل البدري فرغلي رمزان من أعز وأكبر رموز وأبناء بورسعيد ومصر كلها في النضال والمقاومة .. البطل مهران ضحي ببصره حماية لأسرار وأسماء أعضاء فرق المقاومة الشعبية 1956 وكان يقود واحدة من فرقها العشر وهو لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره وقدم البدري فرغلي نموذجا لكفاح ونضال عمال مصر وعاد في ذروة عمره يقود معركة استرداد أموال أصحاب المعاشات حتي حقق مع اتحاد أصحاب المعاشات انتصارهم واستردادهم لبعض استحقاقاتهم ورغم تراجع حالته الصحية لم يتأخر عن المشاركة في رفض إهانة دماء وأرواح آلاف من شهداء وضحايا معركة 1956بإعادة تمثال الأفاق ديليسبس لمدخل القناة، والذي أسقطته المقاومة الشعبية والفدائيون رمزا لانتصارهم علي قوات الغزو البريطانية والفرنسية والصهيونية في ديسمبر1956 الذي أصبح عيدا قوميا للنصر. أدعو جميع الشرفاء والأمناء والمناضلين وحفاظ كرامة مصر والذين لا يقبلون بإهانة تاريخ نضالها ودماء شهدائها ان يتوجهوا بالدعاء بالشفاء والصحة والعافية للبطلين والمناضلين محمد مهران والبدري فرغلي في الظروف الصحية التي يمران بها.

نقلا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: