Close ad
7-8-2020 | 16:04

اختلطت ملامح الروح المصرية، العلم والإيمان والفن معا فى بوتقة واحدة لا يعلم سرها إلا قدماء المصريين، فالأهرام الفرعونية: عمارة وهندسة وفلك وكهانة وإيمان وأسرار أخرى..

وفى العهد المسيحي: كانت الأديرة والكنائس والمكتبات واللوحات والأيقونات.. أما فى العهد الإسلامي: فالمساجد وأعمدتها وزخرفتها وحلقات لدراسة الدين والطب والفلك.

ومن مظاهر الحضارة المصرية: الشمول والاستقرار بينما الحضارة الأوروبية تجيء على هيئة موجات إيمان وتعصب تارة وإلحاد وكفر تارة أخرى.. موجة تطور صناعى مادى، وموجة تمرد على الآلة والصناعة، أما الروح المصرية فبات من أهم ملامحها «التسامح» فلم تعرف مصر المذابح الدموية بين أبناء الديانات المختلفة ولا بين أبناء المذاهب فى الدين الواحد.

ثم انزلق المصريون من التسامح إلى التساهل - والتساهل هو الوجه القبيح للتسامح، فلم يعد أحد يهتم كثيرًا بالحقوق والواجبات، أو بالبحث والمعرفة والدقة الواجبة والصيانة اللازمة، أو التنوير والتطوير.. ويصبح الرد على التساهل «معلهش» – ومعناها ما عليه شيء- ما على أحد شيء إذا لم يفعل، وبذلك تدهور وتدحرجت مصر إلى حفر التخلف وكهوف الجهل! هكذا وصفها توفيق الحكيم فى كتابه «مصر بين عهدين» .

والحقيقة إن أجمل صفحات الكتاب كانت العشرين الأخيرة، فقد استطاع الحكيم بخطوط سريعة وأحكام قاطعة أن يفصل بين الحضارات المصرية والإغريقية والهندية والعربية، وقد اختار «التمثال» شاهدا على الفرق بين الحضارات فالتمثال الإغريقى «عريان» تمامًا والتمثال المصري يضع قماشًا خفيفًا؛ والسبب أن المصرى يجب أن يكون خفيفًا مثل الروح، والإغريقي يجب أن يكون واضحا مثل المنطق.. والفنان المصرى لا يهمه جمال الشكل ولا جمال الطبيعة، ولكن تهمه الفكرة؛ ولذلك ترك الحجر يقول الكثير من الكلام، والمصري إلهه سماوي، فكل شيء عنده قد هبط من السماء .

وحاليا نسمع عبارة «المصرى متدين بطبعه»، وتلك المقدمة جاءت فقط لتثبت شيئين مهمين: أننا كشعب نحظى بكوكتيل متجانس بين التدين والتنور منذ بدء الخليقة! وهو ما أثبتته كل الدراسات والبحوث العلمية والاجتماعية.

ولكن الواقع المعاصر بدأ يرسم خطوطًا جديدة لملامحنا لا تتسق مع جذورنا وأصولنا التي عشنا نتفاخر بها، أولها كارثة مجتمعية تتمثل فى قضية الأستاذة الجامعية التى راحت ضحية الثأر من زوجها فأطلق عليهما مسلحون نارًا أودت بحياتها، بينما أصيب الزوج المستهدف ونقل للمستشفى، وسجلت روزنامة التاريخ لأول مرة الأخذ بالثأر من امرأة فى الصعيد!! ما لم يحدث فى عصور أكثر ظلامية من الآن! لذا فأنا أطالب بتوقيع أقصى عقوبة على المجرمين بشكل عاجل جدًا لوأد مثل هذه الجرائم التي لا تليق بشعبنا وحضارتنا.

بالإضافة لكارثة ثقافية متمثلة فى تمثال «مصر تنهض» صنعه نحات يدعى أحمد عبد الكريم أثار حنقة المجتمع، وقتل الذوق العام على قارعة السوشيال ميديا؛ لأنه يعبر عن الانحدار الفني البين الذي آلت إليه مصر، فلا يرقى للمقارنة بينه وبين تمثال نهضة مصر (1920)!

والسؤال: هل لدينا الآن «حكيم» آخر ليحلل الفرق بين التمثالين؟

* نقلًا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: