جاءت وفاة الدكتور محمد مشالي المعروف بطبيب الغلابة لتذكرني بمقولة وردت في الأثر تقول: إن "الممكن" سأل "المستحيل" يومًا ما أين يعيش؟ فأجاب المستحيل: في أحلام الفقراء.
والفقراء – وكذلك الكُتاب - يتمنون ويحلمون بأبطال خارقين، خاصة في هذا الزمان، أفعالهم تقترب من المستحيلات.. يمسكون بعصا موسى.. لينيروا الظلمات وينشروا الحكمة والمعرفة.. ويفتحوا الطرق.. ويحولوا الفقراء لأغنياء.. ويشفوا المرضى.
من أجل كل تلك الأفكار.. أعتقد أن الدكتور مشالي واحد ممن سكن أحلام الفقراء؛ لذلك أحبوه وتربع على عرش المرضى فتحول إلى طبيب الغلابة.
عاملهم على قدر حاجتهم لا على قدر أموالهم، وعاملهم بإنسانية دون أن يُفتش في جيوبهم.
ولذلك كان مشالي مثالًا واضحًا على المستحيل الذي قد يتحقق يوما ما.. فكان يقيم بين الناس في شوارع طنطا بعدما انتقل إليها مع أسرته.. وهو المولود في قرية ظهر التمساح التابعة لمركز إيتاي البارود بالبحيرة.
وفي عقل الفقراء أحلام أو مستحيلات أخرى، إلى جانب الصحة مثل التعليم والثراء.. مثلًا أن يتحولوا إلى أغنياء فجأة.. دون سابق إنذار أو اجتهاد أو عمل.. وهذا عامل نفسي تستغله الدراما لتجذب أكبر عدد من المشاهدين إليها.. وتجعل الناس تتسمر أمام الأعمال الدرامية.
فنرى قريبًا للبطل يموت في البرازيل ويكتب كل ثروته للبطل، ونشاهد كيف أن البطل تصدمه فتاة ثرية بسيارتها الفارهة صدمة خفيفة لا تقضي حياته بل تقضي على فقره، وفجأة تعالجه وتحبه.. وتعرض عليه أموالها وقلبها لينعم بهما.. وغيرها من قصص الثراء المفاجئ المحببة للجماهير.
حيل درامية لجذب الفقير الذي يمشي على الرصيف، نحو سماء المستحيل.
وضمن أحلام الفقراء تعليم عادل لأطفالهم.. لا ينفقون فيه 80 % من ميزانيتهم الشهرية.. يحلمون بمُدرس يشرح بذمة وضمير في المدرسة ولا يعطي دروسًا خصوصية بتكلفة عالية، ويا سلام لو كان حنونًا وطيبًا ولا يضرب أيًا من الطلبة في الفصل.. ويفتح عقله قبل بيته لأسئلتهم التي لا تنتهي.
ربما انتشار قصة الدكتور مشالي قد تعكس الفكرة التراثية عن أحلام الفقراء، وأنها بالفعل قابلة للتحقق، ويمكن تكرارها في كل مدينة وشارع فيسعد الفقراء قبل الأغنياء ويحصلون على قدر مناسب وملائم من خدمات الصحة.
ربما تعكس فكرة قدرة الغني والقادر على العطاء، وإن لم يكن يجود بماله فهو قادر على أن يجود بعلمه.
وتعكس أيضًا فكرة تنفيذ الوصايا المتكررة والتي لا تتوقف من معظم الآباء لأبنائهم، والتي طبقها بامتياز الدكتور مشالي كما كان يردد دائمًا أنه سمع كلام والده بحسن معاملة الفقراء.. فكان يقول: "لا أريد عربية 10 أمتار ولا أريد بدلة بمليون و10 آلاف جنيه، أنا رجل زاهد، أي حاجة تكفيني، سندويتش فول وسندوتش طعمية يكفيني".
هو حالة واضحة لكثير من الأشياء الجميلة التي يبحث عنها الآباء في الأبناء والفقير في الغني، والمحتاج في القادر.. حين نجلس نتحدث عن المستقبل وعن إمكانية تخصيص جزء من الوقت والمال لخدمة المحتاجين، فأمامنا رجل تبرع بكل وقته للفقراء، ونجح في ترك بصمته.. فكيف يفشل من أراد أن يتبرع بجزء من وقته؟!
https://twitter.com/TantawiPress