Close ad

الموازنة العامة بين مجلس النواب وكورونا

24-6-2020 | 16:57

لاشك ان الموازنة العامة للدولة وخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية عن العام المالي المقبل 2020/2021 تحظيان بأهمية قصوي في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها بلدان العالم اجمع، والضغوط المتزايدة الناجمة عن الآثار المترتبة عن تفشي فيروس كورونا ومانجم عنها من خسائر في الارواح والإغلاق الكبير وتوقف عجلة الإنتاج تقريبا، فضلا عن ارتفاع معدلات البطالة وازدياد معدلات الفقر، ناهيك عن تدهور ارصدة الميزان الجاري وانسحاب المستثمرين الاجانب من الاسواق والضغط علي الاحتياطيات الدولية وسعر الصرف, حيث يتوقع ان تنخفض الإيرادات بشدة خاصة المتحصلات الضريبية، مع ازدياد المصروفات العامةايضا. وهو مابدأ يظهر بالفعل في المجتمع المصري، اذ تشير النتائج الاولية للأداء المالي (عن الفترة يوليو-ابريل 2019/2020)الي ارتفاع العجز الكلي الي 5.9% من الناتج المحلي مقابل 5.6% خلال نفس الفترة من العام الماضي، وفقا للتقرير المالي الشهري لوزارة المالية.والذي اشار ايضا الي ان نسبة الارتفاع في الايرادات لم تتجاوز 4.1% مقابل ارتفاع المصروفات بنسبة8.6% خلال نفس الفترة. وهكذا فان التأثير المحتمل لهذه الازمة قد يكون اكبر كثيرا مما لايمكن معالجته بإجراءات مؤقتة. وكلها امور كان يجب اخذها في الحسبان عند إعداد ومناقشة مشروعي الموازنة والخطة عن العام المالي 2020/2021، وهو ما كان يجب ان يضطلع به البرلمان اثناء المناقشة، خاصة وان المشروع لم ياخذ بعين الاعتبار معظم هذه المتغيرات وهو ما اشار اليه البيان المالي (ص 3) مؤكدا ان إعداد المشروع تم خلال الفترة (نوفمبر2019 -نهاية يناير2020) وذلك في ضوء التزام وزارة المالية بالمواعيد الدستورية لتقديم الموازنة، حيث تنص (المادة 124)علي الزام الحكومة بتقديم مشروع الموازنة قبل ثلاثة اشهر من بدء السنة المالية الجديدة. وذلك بهدف اتاحة الفرصة للأعضاء للدراسة الدقيقة وتمكينهم من الحكم بواقعية علي المشروع وإدخال التعديلات المناسبة. أي كان يجب علي البرلمان مناقشة المشروع في ظل الاوضاع الجديدة، ورغم ادراك لجنة الخطة والموازنة لهذه المسألة وافرادها جزءا مهما حول اثار كورونا علي الاقتصاد الدولي والمصري الا انها لم تاخذ تلك الامور بعين الاعتبار، عند مناقشتها لمشروع الموازنة ولهذا لم تتدخل الا ببعض التعديلات الطفيفة.وجاء تقرير اللجنة بنفس المنهج التقليدي في التناول والتحليل وللاسف شابه العديد من الاخطاء خاصة الخلط بين الفعلي والمتوقع والمخطط في معظم الجداول، ناهيك عن الاخطاء الاخري. والأهم من ذلك هو عدم مناقشة الافتراضات الاساسية التي بني عليها المشروع رغم تاثيراتها الكبيرة فعلي سبيل المثال يشير البيان المالي الي ان اي انخفاض في نمو التجارة العالمية بمقدار 1% يؤثر بالسلب علي اجمالي مايوؤل للخزانة العامة من ايرادات قناة السويس بنحو 2% وبالتالي انخفاض الحصيلة بنحو 1.5 مليار جنيه. وبالمثل فان انخفاض قيمة الجنيه امام الدولار بنحو خمسين قرشا يؤثر سلبا علي الفائض الاولي بنحو1.4 مليار جنيه وانخفاض سعر الفائدة المحلية بنحو 1% يؤثر بنحو 8-10 مليار جنيه وكذلك انخفاض سعر برميل النفط بمقدار دولار واحد يؤدي الي التاثير بنحو 1.5 مليار جنيه. كل هذه الامور وغيرها كانت تتطلب إعادة النظر في الاسس التي بني عليها المشروع برمته والمزيد من المرونة في التعامل مع الموازنة، عن طريق اعادة النظر في الامور المرتبطة بها مثل الحد الاقصي للعجز وكذلك الدين العام والسماح بالمزيد من العجز اصبح ضرورة مهمة في ضوء الأوضاع الحالية وما تطلبه من زيادة الانفاق العام خاصة علي المجالات الصحية وبرامج الدعم الاجتماعية وغيرهما. وهو ماقام به العديد من البلدان وهنا يتوقع تقرير الراصد المالي الصادر عن صندوق النقد الدولي أبريل 2020، ارتفاع عجز الموازنة العامة لمعظم البلدان لعام 2020 بنسبة نمو 7.7% في المتوسط. كل هذه الامور كانت تتطلب التأني في الدراسة والخروج بمشروع يعكس الواقع الاقتصادي المعاش. ولاينبغي التعلل بالوقت، او انه ستتم المراجعة بعد الربع الاول من العام المالي وإعادة النظر في ضوء مايسفر عنه التطبيق الفعلي، لانه وعلي الرغم من إغفال الدستور الحديث عن حالة عدم الاتفاق علي مشروع الموازنة والموقف منه، إلا ان قانون الموازنة تدارك هذا الخطأ فنص علي انه في حالة عدم اعتماد الموازنة قبل بدء السنة المالية الجديدة يتم العمل بالموازنة القديمة الي حين اعتماد الجديدة. اذ ان اللجوء للاعتمادات الإضافية او الموازنة التكميلية والتي تأتي تفعيلا للدستور فيما يتعلق بأنه تجب موافقة مجلس النواب علي نقل أي مبلغ من باب إلي آخر من أبواب الموازنة وكذلك علي كل مصروف غير وارد بها، أو زائد في تقديراتها وتصدر بقانون. وللأسف هناك زيادة مستمرة في استخدام هذه الاداة خلال السنوات الماضية مما افقد الموازنة مصداقيتها. بالاضافة لذلك يجب إعادة النظر في التأشيرات الملحقة بقانون ربط الموازنة واعطاء وزير المالية المزيد من المرونة في الصرف مع العمل علي سرعة اصدار قانون المالية الموحد وكذلك قانون الجهاز المصرفي والبنك المركزي للمزيد من التنسيق بين السياستين المالية والنقدية فضلا عن ذلك ضرورة التفكير في انشاء مجلس موازنة مستقل ككيان وسيط بين السلطتين التشريعية ممثلة في مجلس النواب والتنفيذية ممثلة في الحكومة، يناط به مراجعة المشروع كاملا قبل عرضه علي البرلمان، واقتراح ما يلزم من تعديلات واجراءات وهي الفكرة المطبقة منذ عقود في العديد من البلدان علي ان يشمل في تشكيله ممثلين عن النقابات المهنية والاتحادات العمالية ورجال الأعمال واتحاد الصناعة والأجهزة الحكومية المعنية والمجتمع المدني. ويتم اختيار الأعضاء عن طريق المنظمات المعنيّة بذلك بالإضافة إلي عدد محدد يعينه رئيس الجمهورية من الخبراء والمتخصصين. مع تأكيد أهمية عدم الجمع بين عضوية هذا المجلس والحكومة وأي من المجالس النيابية. علي ان يصدر بقرار من رئيس الجمهورية مما يمنحه المزيد من المرونة والاستقلالية بعيداً عن الحكومة أو البرلمان. ويصبح بوتقة تنصهر فيها الأفكار والآراء لتضع الرؤية الصحيحة والشاملة للوقوف في وجه التحديات الراهنة والانطلاق الي آفاق المستقبل.


نقلا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
ضريبة الدخل والفصل بين السلطات

ان إعفاء المكافآت الممنوحة لأعضاء البرلمان من ضريبة الدخل يأتى أساسا لرغبة المشرع فى الفصل بين السلطات.. جاء ذلك التصريح على لسان وكيل لجنة الخطة والموازنة

كأس العالم لليد والاستثمار في الرياضة (3)

أوضحنا خلال المقالين السابقين أهمية الاستثمار فى صناعة الرياضة ودوره فى التنمية المجتمعية عموما والبشرية على وجه الخصوص، واصبح التساؤل الى اى مدى تعاملت

كأس العالم لليد والاستثمار في الرياضة (2)

أشرنا في المقال السابق الى أهمية وضع الرياضة فى خدمة التنمية البشرية بغية جعلها إحدى الأدوات المساهمة فى رفع كفاءة الأفراد والمساهمة فى تطوير الإنسان وهو