من التسويف تارة والتهرب من الاستحقاقات تارة أخرى تمضي إثيوبيا فى سياسة المماطلة والمراوغة فى قضية سد النهضة، وكأن الأمر لم يعد يعنى أحدًا سواها، وفى تناقض سافر فى المواقف، وتضارب واضح فى السياسات والمواقف استبقت أديس أبابا استئناف المفاوضات "المتأخرة" حول القضايا العالقة في ملف السد اليوم بين الدول الثلاث بتصريحات من مسئولين كبار فى الدولة - يتقدمهم رئيس الوزراء آبي أحمد - يؤكدون فيها أن قرار البدء فى ملء سد النهضة لا رجعة فيه، في استفزاز غير مقبول، يمثل استهانة بالمفاوضات، ولا يشير من قريب أو بعيد إلى أن هناك جدية ولا نية حسنة من المشاركة فى هذه المفاوضات، فكيف تتفاوض أديس أبابا، بينما تحركاتها على الأرض تناقض القضية المحورية في الملف، وتنسف أي محاولات للوصول إلى اتفاق أو حتى تفاهمات حول آلية عملية ملء السد كما تم الاتفاق عليه في اتفاق إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث، والذى يلزم كل الأطراف وأولهم إثيوبيا بعدم البدء فى ملء السد دون تنسيق وموافقة من مصر والسودان، وهو ما أكدته أيضًا مخرجات مسار واشنطن التفاوضي الذي عقد بين الدول الثلاث برعاية أمريكية وانسحبت منه إثيوبيا.
ولعل البيان الصادر اليوم عن اجتماع مجلس الأمن القومي المصري الذي عقد برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي حمل من الرسائل والإشارات التي تؤكد نفاد صبر مصر من المماطلات الإثيوبية فى مسار التفاوض، إذ أشار البيان بوضوح شديد إلى أن سياسة المماطلة لم تعد مقنعة بعد أن جاءت الدعوة لاستئناف المفاوضات اليوم متأخرة 3 أسابيع، ومن ثم شدد البيان على ضرورة تحديد إطار زمني محكم لإجراء المفاوضات والانتهاء منها، وذلك منعًا لأن تصبح أداة جديدة للتنصل من الالتزامات الواردة بإعلان المبادئ الذي وقعته الدول الثلاث سنة 2015.
ويقينا أن مصر على طول السنوات الماضية تعاملت مع هذا الملف بروح منفتحة، وكانت حريصة على إنجاح المفاوضات من قاعدة "حق التنمية لإثيوبيا وحق الحياة لمصر" إلا أن الطرف الإثيوبى لم يبدِ أي نية حسنة للتوصل إلى حلول تحقق هذه القاعدة أو ترضي أطراف التفاوض.
على طول الخط دأبت إثيوبيا على استنفاد الوقت والمماطلة، بينما على الأرض تسارع في بناء السد دون دراسات دقيقة ولا خطط واضحة تراعي التداعيات السلبية المزعجة على مصر؛ بل ذهبت إلى أبعد من ذلك؛ أن حاولت طمس حقائق تاريخية تؤكد حق مصر فى مياه النيل؛ من خلال تسويق مزاعم واهية تقول فيها إن هذه المياه من الموارد الطبيعية للدولة التى لا يحق لأحد منازعتها فيها!!
المؤكد أن رهان إثيوبيا على فرض الأمر الواقع سيفشل، وأن محاولاتها تصدير تصريحات تدغدغ مشاعر الداخل الإثيوبي لن تجدي نفعًا، ومصر تملك من الأدوات والوسائل ما يحافظ على حقوقها التاريخية فى مياه النيل غير منقوصة، وواهم من يعتقد أن الظرف الدولي الحالي وانشغال العالم بتطورات جائحة "كورونا"، يمكن أن يمرر من خلاله هذا المشروع الذي يهدد الأمن القومي المصري ويكفي أن العالم أجمع يدعم موقف مصر وحقها التاريخي المشروع في المياه.
أما المنطق والعقل والعرف والقانون والمواثيق الدولية فتقول إن إثيوبيا في الوقت الحالي عليها أن تعلن اليوم قبل الغد تأجيل موعد ملء السد لإفساح الطريق أمام مفاوضات محدودة المدة للاتفاق حول النقاط الخلافية، وفق المرجعيات القانونية وتحقيق قاعدة "التنمية لإثيوبيا والحياة لمصر"
.. فهل تفعلها إثيوبيا؟ ربما!!