Close ad

معجزة نجاة فيتنام من الجائحة

8-6-2020 | 10:26

الاحتواء الناجح لوباء كورونا فى فيتنام هو معجزة تدعو للفخر الإنسانى، لاعتماده على تدابير بسيطة، ومنخفضة التكاليف، بحكم الموارد المحدودة، والحدود الطويلة مع الصين، يضاف لسجلات "هانوى" التاريخية فى هزيمة إمبراطوريتين عظميين.

هذه الشهادة (الوسام) من المجتمع الدولى فى حق الدولة الفيتنامية الفتية كانت - ولا تزال - حديث الناس بعد اجتياح الوباء الفتاك حدود العالم، بلا رحمة أو تمييز، مما دفع بالمراقبين إلى اعتبار إستراتيجية مكافحة كورونا فى فيتنام نموذجا يعتد به فى بلدان أخرى، خاصة النامية.

فى ضوء توافر العديد من أوجه الشبه بين مصر وفيتنام من حيث الموارد البشرية والطبيعية والاهتمامات، والهموم التنموية، فإنني أنقل - هنا بكل موضوعية وتجرد - تجربة نجاح تلك الدولة الآسيوية الناهضة، التي تربطنا بها علاقات ثنائية متميزة، على مدار 57 عاما.

وقد شهدت العلاقات الثنائية دفعة قوية عقب الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسى لفيتنام في عام 2017، أعقبها زيارة قام بها الرئيس الفيتنامي تران داى كوانج لمصر فى عام 2018، وأرسى دعائمها الزعيم الأسطوري الراحل هو شى منه، الذى وقع فى حب مصر، وجرى إحياء الذكرى الـ 130 ليوم مولده فى 19 مايو الماضى.

تحت شعار "القتال ضد كورونا كـ القتال ضد العدو" نفذت حكومة فيتنام إستراتيجية مبكرة وإيجابية من 3 محاور لاحتواء وباء كورونا، وحشدت كل قواها المحلية، وأغلقت حدودها ومطاراتها، بعد إعلان أول حالة وفاة فى مدينة ووهان الصينية فى 11 يناير، وضحت بكونها أكبر وجهة سياحية للصين فى عيد الربيع.

أعلنت فيتنام التعبئة العامة لقواتها المسلحة وقوات الأمن العام، واستنفرت الأجهزة الحكومية ودور الرعاية الصحية والمرافق العامة، وطلبت من السكان ارتداء الكمامات الواقية والالتزام بالتعليمات الوقائية الصارمة، ونظمت حملة تثقيفية عامة وخلاقة، شملت الرسوم المتحركة التليفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعى والملصقات.

استفادت الدولة الفيتنامية من الإمكانيات- الفعلية المتوافرة- التي يتمتع بها القطاع الصحى فى جميع أنحاء البلاد، للوصول إلى القرى النائية، مع عزل عشرات الآلاف فى معسكرات شبه عسكرية، وإجراء الفحوصات الضرورية والاختبارات المعملية والتعقب الدؤوب للحالات المصابة والمشكوك فى إصابتها على أوسع نطاق، وتوفير قاعدة للمعلومات وتبادل للخبرات مع بقية دول العالم.

المحصلة النهائية لكل هذه الإجراءات الوقائية لم تسجل حالة وفاة واحدة بسبب وباء كورونا فى فيتنام حتى تاريخ يوم أول أمس، السبت، 6 يونيو، فيما تأكد إصابة 329 حالة- فقط، جرى شفاء 307 حالات بالكامل منها، كما تم عزل 189 حالة لدى وصولها للبلاد من الخارج، بالإضافة إلى التحفظ على نحو 9 آلاف شخص فى الحجر الصحى بمعسكرات شبه عسكرية، أو فى المرافق الطبية، أو فى المنزل.

فى يوم 23 أبريل الماضى، خففت الحكومة الفيتنامية من إجراءات إغلاق مدنها الرئيسية، وعادت الحياة تدريجيا إلى طبيعتها، وأصبحت فيتنام هى المقصد السياحى المفضل لـ 45% من الصينيين الذين يرتبون رحلاتهم للخارج فى 2020.

بمناسبة الحديث عن السياحة، تؤكد بيانات عام 2019، أن فيتنام استقبلت 18 مليون سائح، بزيادة 16.2% على العام الأسبق، بلغت عائداتها 33 مليار دولار.

فى الوقت نفسه، من المتوقع أن تستمر تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر لفيتنام فى المستقبل القريب بفضل الثقة القوية التى نالتها من جانب المستثمرين الأجانب، باعتبارها بيئة آمنة للأعمال، وقد بلغت بالفعل 38 مليار دولار فى 2019، وبفضل نمو الناتج المحلي الإجمالي لأكثر من 7%، وبلوغ صادراتها 263 مليار دولار.

إلى جانب إمكانية الاستفادة من تجربة فيتنام المتميزة فى مكافحة كورونا، أشير إلى أن مصر لديها الكثير من الخبرة تقاسمها مع فيتنام، خاصة في مجال صناعة الشحن والخدمات اللوجستية والملاحة، وكذلك إدارة أنظمة الموانئ البحرية.

وبالنسبة للسياحة البحرية، تعد مصر وفيتنام سوقين محتملين يمكن أن يكمل كل منهما الآخر، وقد ازداد عدد السياح الفيتناميين ذوي الدخل المرتفع حتى الآن والطلب على السفر إلى مصر لاكتشاف الحضارات والثقافات القديمة التي تطورت لآلاف السنين، في المقابل، سيجلب سحر الجزر والبحر والثقافة المتميزة في فيتنام السياح المصريين.

علاوة على ذلك، تتمتع فيتنام بخبرة في جذب الاستثمار الأجنبي، وتطوير صناعة الترفيه البحرية، واستكشاف موارد الثقافة البحرية، ونتيجة لذلك، يمكن لفيتنام تبادل الخبرات مع مصر، وسوف يلعب رجال الأعمال المصريين والفيتناميين دورًا رئيسيًا في تعزيز التنمية وكذلك الارتباط في الاقتصاد البحري للبلدين.

في عام 2019، استمرت العلاقات الفيتنامية - المصرية في تحقيق العديد من التطورات في جميع المجالات تقريبًا، على المستويات الثنائية والإقليمية والدولية، وبلغ حجم التبادل التجاري في اتجاهين ما يقرب من 500 مليون دولار أمريكي.

حتى الآن، أصبحت مصر ثاني أكبر شريك تجاري لفيتنام في إفريقيا، وتسعى الدولتان جاهدتين نحو تحقيق مليار دولار أمريكي من التجارة الثنائية في المستقبل القريب، الأمر الذي سيجعل مصر أكبر شريك تجاري واقتصادي لفيتنام في إفريقيا. بصفتها رئيس الآسيان في عام 2020، يمكن لفيتنام أن تكون بمثابة جسر مهم لربط مصر بدول آسيان الأخرى، مما يمكن أن يساعد الحكومة المصرية على الترويج القوي لسياسة "النظر إلى الشرق".

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: