ملايين البشر خضعوا لإجراءات صارمة. مكثوا فى بيوتهم وتحملوا عذابات عدم الذهاب لزيارة أعز أحبابهم ولم يحضروا جنازات من فقدوهم. لكنهم فوجئوا بأن بعض المسئولين، الذين وضعوا الإجراءات، لا يحترمونها. ببساطة، لأنهم يعتقدون أنها لا تنطبق عليهم.
قبل أيام، زار الرئيس ترامب مصنعا للسيارات. وبينما ارتدى مرافقوه الكمامات، رفض هو لأنها تظهره بشكل غير مريح. أما الرئيس البرازيلى بولسونارو، فقد زار إحدى المدن وتحدث مع الجماهير وأكل وشرب، كما يحلو له ضاربا عرض الحائط بالإجراءات فى وقت أصبحت فيه بلاده بؤرة كورونا الساخنة عالميا.
أما دومينيك كامينجز المستشار المفضل لرئيس الوزراء البريطانى، فقد زار والديه قاطعا مئات الكيلومترات غير عابئ بقواعد أسهم بصنعها. ورغم غضب وقرف البريطانيين، رفض الاعتذار، وتمسك به رئيسه. وصل الغضب إلى درجة استقالة وزير، ونشر تغريدة على حساب موظفى الحكومة وصفت الأمر بأنه: «غطرسة وعدوانية.. هل تتخيل أننا مضطرون للعمل مع هؤلاء المخادعين؟». بالطبع تم الحذف والتحقيق لمعرفة المسئول.
لماذا الانفصام بين المسئول والناس؟ وكيف تبرر النخبة ذلك؟ لقد حاول كامينجز تسول شتى المبررات والأعذار، لكن رد الفعل كان كاسحا: مخادع وكاذب وخارق للقانون ولروحه.. مكانه السجن وليس الحكومة. المفارقة أن سيادة المستشار كان الأكثر نقمة على الطبقة السياسية قبل أن ينتمى إليها. إنها السلطة التى تصور للبعض أنهم فوق القانون والناس. إنها الازدواجية التى تنتج قانونين أحدهما للعامة والآخر للصفوة، أو تبرر للمسئول ألا يلتزم كبقية الناس بسبب مكانته وظروفه ودوره.
هل تغير العالم حقا. أليس هذا ما فعله السابقون. أليسوا هم من قصدهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: إنما هلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذى نفس محمد بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.
القانون ينطبق على الشريف والوضيع، النخبة والعامة. القانون يجب أن يكون «مفيهوش زينب» التى تنتهك حقوق البسطاء والعامة، حسب التعبير الشهير للفنان الراحل فؤاد المهندس فى مسرحية: أنا وهو وهى.
نقلا عن صحيفة الأهرام