Close ad

المصريون والأعياد.. والخطاب المنتظر

24-5-2020 | 16:52

الاحتفال بالأعياد يجرى فى دماء المصريين كموروث من أجدادهم المصريين القدماء.. مهما اختلفت الامكانات والمستويات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية فالاحتفال بالأعياد مقدسة وكأنها تستكمل طقوسهم الدينية ومثل أجدادهم القدماء فالاحتفالات من طقوسها الاساسية الخروج الى الحدائق العامة والمراكب الشراعية فى النيل واكل الاسماك التى امتنعوا عن تناولها طوال الصيام خوفا من العطش ولا يختلف الأمر بين مسلمين ومسيحيين فكلهم فى فرحة الأعياد سواء وصور احتفالاتهم فى الأزمنة الحديثة تكاد تكون انعكاسا لرسوم أجدادهم على جدران المعابد وهم يحتفلون بالأعياد ومن الطقوس الأساسية للاحتفال بالأعياد تجمع وتلاقى الأهل والأحباب والاصدقاء وعودة الكثير منهم إلى قراهم فى الريف أو فى الصعيد ليقضوا العيد مع الآباء والأمهات والأجداد وسائر الأقارب فمازال المصريون خاصة أبناء الريف والصعيد والجنوب يحفظون ويعتزون بعلاقاتهم الوثيقة مع أسرهم والتى تتأكد وتتجدد فى الاعياد والمناسبات والأفراح والأحزان وتقاسم المشاعر وكعك وقرص العيد بالعجوة والتى يوزعونها أيضا على أرواح موتاهم ويرسلون بها رسائل الوفاء والرحمة والتراحم إليهم..

لذلك أتفهم جيدا الحزن الذى يخيم على كثير من المصريين على ما فعله بهم الفيروس اللعين وكثير منهم لا يشغل باله من أين أو كيف جاء بل وكثير من أهلنا البسطاء يخلطون بين التوكل مع الأخذ بوسائل الحذر والحماية وبين التواكل واللامبالاة وعدم تصديق وجود أخطار حقيقية وان ما يقال عن هذه الاخطار فيه مبالغات لحرمانهم من الاستمتاع بالأعياد وحبسهم فى بيوتهم وضمان السلامة من صداع وصخب الاحتفالات الجماهيرية والازدحام الذى يصاحب الأعياد !!

فى رأيى أننا لم نستطع ان نصنع توازنا بين طباع وعادات القاعدة العريضة من الظهير والأرصدة الشعبية وبين حجم وحقيقة الأخطار التى يتعرضون لها اذا أهملوا وسائل الحماية من الفيروس.. وأنهم اذا أحسوا واستشعروا بأرصدتهم ومورثاتهم الحضارية والثقافية والايمانية ما يهدد حياتهم وحياة أحبابهم وسلامتهم وسلامة بلدهم وأنهم شركاء فى حمايتها فلن يتأخروا فى ترك ما تعودوا عليه وأحبوه دون أن يحتاجوا إلى أى شكل من الضغوط والتهديدات وينتظرون الفرص للتحايل عليها والإفلات منها ولن نحتاج الى الاعلان عن انتشار أمنى مكثف لتطبيق الحظر وجعل الأمر يبدو وكأن الدوله تفرضه لتحرم المواطن أن يمارس ويعيش حياته كما تعود ولا يدرك أنها تسعى لما يؤمن ويحمى حياته.

عدم صناعة هذا الوعى والايمان بأن ما يتخذ من اجراءات هو لسلامته وشرط ضرورى لما تسعى الدولة لتحقيقه ابتداء من منتصف يونيو المقبل كما أعلن رئيس مجلس الوزراء لتعود الحياه بالتدريج وخاصة العمل والانتاج... ان لم يحدث هذا مع وجود استشعار حقيقى بالأخطار والتهديدات التى ستحدث اذا أهملنا الجمع بين الاثنين... استرداد الحياة لطقوسها المعتادة واحترام الاجراءات الوقائية وأن تطبيق هذه الاجراءات بحزم ودون تفريط أو تساهل هو ما تحتمى به الدول التى قررت عودة الحياه الى طبيعتها ومن المؤكد أن مد جسور الشفافية والمصداقية والمصارحة بين المواطن وما يحدث فى بلاده سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا يساعد ويدعم اقتناعه والتزامه بالمطلوب منه ودون حاجه الى إجراءات أمنيه وتوقيع عقوبات.

> الخطاب الأقدر على التأثير وإحداث الالتزام المطلوب هو الخطاب الذى يتفهم عادات وطباع وموروثات الملايين من الظهير والأرصدة الشعبية وإدراك ظروف معيشتهم الصعبة التى ظلت الاحتفالات بالمناسبات والأعياد وخاصة الدينية المتنفس الوحيد للفرحة والبهجة ولبس الجديد وتبادل أطباق الكعك والبسكويت ولو فى أضيق الحدود سأظل أؤكد ان الخطاب الذى يحقق ما نتطلع اليه من انضباط واحترام لجميع الاجراءات الوقائيه والاحترازيه فى ظل ما أعلنت الدوله أنها ستتخذه خلال الأيام القليلة القادمة لعودة الحياة بالتدريج الى طبيعتها ومنها فتح المطاعم واقامة الشعائر وعودة النشاط الرياضى مع التزام المواطنين بالاجراءات الاحترازية يساعد على نجاحه إحساس المواطن بأنه شريك حقيقى فيما تتخذه بلاده من سياسات وقرارات وليس مجرد غريب او متفرج فى بلاده عليه الالتزام والتطبيق سواء تم مراعاة أو لم يهتم أحد بعاداته وظروف حياته ومهما كانت قسوتها.

> سيقضى المصريون عيدا يختلف عما عرفوه واستمتعوا به من أعياد ولكنى أثق فى قدرتهم على التعايش مع أصعب الظروف وربما يكون فى مقدمتها أنهم فى النهاية فى بيوتهم وبين أهلهم ولا يحتاجون لا قدر الله إلى مكان فى مستشفيات عزل أو حميات وألفت النظر أن أغلب ما أعلن عنه من ضحايا ووفيات قيل أن الفيروس اللعين لم يكن السبب فيها ولكن الحالات تصل متأخرة متأثره بأنهيارات صحية وأمراض أخرى مما يتطلب أن يكون فى خطط التعايش المقرر أن تبدأ فى منتصف يونيو المقبل النظر فى عموم أحوال صحة المصريين وبرامج صحية للدعم الغذائى من خلال عمل مؤسسى يصل بها الى الملايين الذين يحتاجون اليها بعدالة وبكرامة وأن نتدارس جيدا ما كشفت عنه البرامج والاعلانات الرمضانية من عوز وافتقار الملايين إلى أبسط استحقاقات ومقومات الحياة !! ولا تكفى المواجهة ببرامج الخير والتبرع قد تصل وقد لا تصل الى مستحقيها الحقيقيين وانما يجب ان تكون من خلال إدارة مؤسسية للوزارات والمؤسسات المسئولة والمجتمع الأهلى والمدنى بقواعد وأصول تصل بها إلى الملايين من مستحقيها بالفعل.

> عيد أرجو أن نجعله سعيدا وطيبا رغم جميع التحديات والمخاطر والتهديدات التى لن تهزم ما لدى المصريين من قدره على التواصل والتراحم الانسانى مع الحفاظ على التباعد الاجتماعى والتركيز دائما على رؤية النصف الممتليء من الكوب وليس النصف الفارغ وتهنئه خاصة لكل من أعطى بمحبه وإخلاص وأولهم أبناؤنا من المقاتلين العظام الذين يحتفلون بالأعياد على خطوط النار على جميع حدودنا وأبناؤنا من الأطباء واطقم التمريض والمحترمون من الاعلاميين الذين يحترمون كرامة ووعى وعقل ووقت المشاهدين والمستمعيين والذين يستطيعون أن يكونوا فى مقدمة حملة ومقدمى الخطاب الاعلامى الذى يجعل الأخذ والالتزام بجميع اجراءات الوقاية والحمايه مع عودة الحياة الى خطوطها الطبيعية التزاما ومسئولية يمارسها كل مواطن بفهم ورضا واقتناع.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة