مع تفشى كورونا، اجتاحت العالم نزعة أخلاقية عارمة صورت الناس كائنات وديعة مستعدة للتخلى عن حبها لذواتها ومصالحها ومد اليد للآخرين كى ننتصر على الوباء. بالفعل، سرت موجة تفاؤل بشأن هدوء بعض النزاعات، وتوقف جماعات إرهابية عن إرهابها.
لم يكن ذلك سوى صرح من خيال فهوى، كما يقول الشاعر الحالم الراحل إبراهيم ناجى فى قصيدته الشهيرة الأطلال. إذ تبين أن الأحلام كاذبة والتفاؤل وهم، وأن طبيعة بعض البشر لن يغيرها وباء مهما كانت خطورته. رجع الإرهابيون لسيرتهم الأولي. ظهرت الضغائن بين الدول، وحاولت حكومات السطو على مواد طبية متجهة لدول أخري. عادت نغمة أنا أولا، ومن بعدى الطوفان أقوى مما كانت. جرى إغلاق الحدود ومحاصرة العالقين فى المطارات واشتعال الحروب الكلامية بين الدول.
لم يقتصر الأمر على ذلك. رفضت أمريكا إقرار مشروع دولى لوقف النزاعات حول العالم لأسباب قد تبدو تافهة تتعلق بالصياغات لكنها تعكس خلاصة مفادها أن كورونا زاد من حدة الصراعات ولم يهدئ منها، ومازال مجلس الأمن يتأنى ويتأنى فى التصويت، ويبدو أنه سيتأنى طويلا.
هذا على السطح، لكن فى أعماق العالم المظلم للبشر هناك ماهو أسوأ وأكثر رعبا. عمليات التجسس والقرصنة والتدخلات تتواصل. وقبل أيام، اتهمت فنزويلا أمريكا بالتورط فى مؤامرة للإطاحة برئيسها على غرارعملية خليج الخنازير ضد كاسترو/ كوبا فى الستينيات. إسرائيل، هى الأخري، لا تترك فرصة إلا وتضع نفسها على القائمة التى تثبت أن ركن العداوات على الرف مؤقتا، خدعة. إذ كشفت واشنطن بوست أن مسئولين أمريكيين وأجانب قالوا إن تل أبيب كانت وراء هجوم صاعق على أجهزة كمبيوتر إيرانية فى 9 مايو الحالي، أوقف تماما حركة السفن والشحن وأحدث أضرارا هائلة فى ميناء شاهد رجائي.
ما حدث ويحدث أمر طبيعى ولس مفاجئا أو صادما. غير الطبيعى تصور أن تتغير الطبيعة البشرية بهذه السهولة. ومع ذلك، علينا ألا نيأس من رحمة الله وقدرته على تعويض شرور بعض الناس بأفعال خير وسلام يقوم بها آخرون، حتى ولو كانوا قليلين.
نقلا عن صحيفة الأهرام