Close ad

فما ابتلاك إلا لأنه أحبك

21-5-2020 | 11:06

ونحن على أعتاب نهاية الشهر الكريم؛ بفضائله ونعمه التي لا تٌحصى؛ وكلٌ منا يتقرب إلى الله سبحانه و تعالى بالعبادات والنوافل؛ في سباق لحصد أجر طال انتظاره؛ كما طال الشوق له.

في هذه الأثناء؛ وعطفا على المقال السابق؛ سنرى مشاهد مؤلمة؛ ونسمع قصصاً مفجعة؛ لأٌناس مروا بظروف قاسية للغاية؛ لدرجة يصعب احتمالها؛ منهم من احتسب أمره لله؛ صابراً منتظرا فرجه؛ ومنهم من نفذ صبره؛ ولم يعد قادراً على التحمل.

لأتذكر قوله سبحانه وتعالى "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ" سورة الزمر، الآية "10"؛ هل يوجد مرتبة أعلى من مرتبة الصابرين؛ فهم دون غيرهم يوفون أجرهم دون حساب؛ كل خلق الله يوم الحساب؛ تٌعرض أعمالهم لينالوا أجرهم؛ إلا الصابرين؛ ينالون جزاء صبرهم في الدنيا بغير حساب.

فبدءًا من سيدنا نوح أول الأنبياء؛ الذي عصاه قومه وكذلك ابنه؛ الذي شاهده يموت؛ حينما رفض دعوته الصعود إلى الفلك؛ مرورا بسيدنا إبراهيم؛ الذي رٌمي في النار؛ وقد أمرها الله أن تكون بردا و سلاما عليه؛ وكذلك رؤيته لنجله إسماعيل ؛ أنه يذبحه؛ والسير في تنفيذ الرؤية؛ حتى فداه الله بذبح عظيم.

وسيدنا أيوب؛ الذي لقب الصبر باسمه؛ وفي إحدى الروايات؛ أنه صبرعلى مرضه الشديد لثمانية عشر عاما؛ حتى دعا ربه؛ كما ذكرت الآية "83" من سورة الأنبياء؛ "أيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ"؛ وسيدنا يونس حينما التقمه الحوت؛ وسيدنا يوسف الذي قضى بضع سنوات في السجن.

وصولا لسيدنا محمد صلى الله عليه و سلم؛ فقد أولاده - القاسم وعبدالله؛ وإبراهيم؛ وزينب ورقية وأم كلثوم - في حياته، ما عدا السيدة فاطمة؛ في ابتلاء شديد جدا من الله سبحانه وتعالى؛ فصبر واحتسب.

تقريبا لم يسلم نبي ولا رسول من ابتلاءات الله سبحانه وتعالى؛ وهم الأقرب لله من كل خلقه؛ فما بالنا بابتلاء أصاب عبداً من عباد الله؛ فدعى ربه؛ بأن يرفع عنه ما أصابه؛ ولم يستجب له ربه؛ فصبر على قضاء الله؛ فما يكون جزاؤه؟

أن يبتليك الله؛ فيسمع مناجاتك له وتوسلاتك لأن يرفع عنك البلاء؛ وتكرارها بلا توقف؛ يعنى أن ربك؛ يحب سماع صوتك؛ ومناجاتك؛ يحب تضرعك إليه؛ يحب استغفارك؛ يحب استغاثتك.

وفي المقابل عبد آخر؛ تسير معه الحياة برتم رائع؛ لا يجد ما ينغصها؛ هادئة وجميلة؛ تجده مشغولا بها؛ تناسى أن يذهب إلى الله فيستغفره؛ هذا العبد ومن مثله؛ ومن على شاكلته؛ هم الآسفون والنادمون يوم الحساب؛ فليس في صحفهم ما تقربوا به لله سبحانه وتعالى؛ حتى ما رزقهم إياه من صحة لم يشكروه عليها، ومن مال لم يخرجوا زكاته، ومن أولاد وسلطة وجاه ... هؤلاء هم الأبعد والأتعس حظاً يوم الحساب.

أما من صبر على قضاء الله؛ من قلة الرزق؛ أو ضيقه؛ الحرمان من الإنجاب؛ أو انتزاع النعم؛ أيا كانت؛ وهي كثيرة؛ المال والبنون والصحة والستر؛ تخيل عزيزي القارئ أن مقدرتك على السجود لله نعمة كبيرة؛ تستوجب شكره سبحانه وتعالى عليها؛ لأن هناك من يفتقدها ويتمنى رجوعها.

وعليه؛ فإن أقل الناس حظاً في الدنيا؛ هم أكثر حظاً في الآخرة؛ والعكس صحيح؛ الأكثر غنًي والأكثر فقراً؛ هم عباد الله وهو المٌقدر لهم وفق إرادته؛ وكذلك الأوفر صحة؛ والأكثر عجزاً؛ أيضا عباده؛ وهو من قدر لهما ذلك.

فبقدر صبرك واحتسابك واستغاثتك للمغيث؛ بقدر فوزك بدخول جنان الله بغير حساب؛ تخيل أن يدخل الصابرون على قضاء الجنة بغير حساب؛ وفي يوم الحشر؛ الذي يعادل خمسين ألف عام مما نعد؛ هناك مليارات من البشر؛ تٌعرض أعمالها؛ تتمنى الستر يوم العرض؛ آملة في دخول الجنة؛ منهم من يوفق؛ ومنهم من تتلقفه النار والعياذ بالله.

لكل صابر هنيئاً لك بجزاء صبرك؛ فأنت في دار أدنى؛ وسوف تذهب لدار المقر؛ فيها الخلود والأنعام؛ وفيها ما لم يرد على قلب بشر؛ كل هذه الخلائق تتخيل الجنة؛ ورغم ذلك فيها ما لم يخطر على قلب بشر؛ يا لروعتها.

اللهم ارزقنا إياها نحن ومن نحب واجمعنا فيها بكل عبادك المخلصين؛ واسقنا من حوض نبيك المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام. اللهم آمين
،،، والله من وراء القصد

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الرحمة

أيام قلائل ويهل علينا شهر رمضان المبارك؛ وأجد أنه من المناسب أن أتحدث عن عبادة من أفضل العبادات تقربًا لله عز وجل؛ لاسيما أننا خٌلقنا لنعبده؛ وعلينا التقرب لله بتحري ما يرضيه والبعد عن ما يغضبه.