لم نكن نتصور أن يأتي وقت على العالم أجمع يعاني فيه من محنة واحدة تكون آثارها كارثية على كافة الدول المتقدمة والنامية .. فحتى أعتى الدول المتقدمة بأنظمتها الطبية التي تتفوق على الأنظمة الطبية للدول النامية بسنوات ضوئية لم تصمد أمام فيروس "Covid-19".. فهي معجزة إلهية لمن يتدبر تعيد ترتيب أولويات أهل الأرض وتحد من الحروب والصراعات والتلوث المناخي التي كادت جميعا أن تغير حياة البشرية لما هو أسوأ.
فكوكبنا الأزرق أكبر المستفيدين من أزمة كورونا إذ تظهر بيانات الأقمار الصناعية من وكالتي الفضاء الأمريكية ناسا والأوروبية "إيسا" انخفاضًا كبيرًا في مستويات ثاني أوكسيد النيتروجين في الهواء خاصة في الدول التي شهدت نسب عالية من التلوث خلال السنوات الماضية وعلى رأسها الصين مهد الوباء أو مختلف المناطق المنكوبة في العالم.
هذه المحنة التي تضع أيضًا العديد من السيناريوهات الجديدة التي قد تعيد ترتيب أولويات العالم، وقد تطيح باقتصاديات دول بأكملها في غضون سنوات، وقد تكون شهورًا قليلة.. خلقت منحة في حال أحسن المصريون استغلالها.
فقد حققت الصادرات المصرية غير البترولية زيادة طفيفة خلال الربع الأول من العام الجاري بنسبة 2%، حيث سجلت 6 مليارات و728 مليون دولار، مقارنة بنحو 6 مليارات و580 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2019، وبقيمة بلغت 148 مليون دولار، بينما شهدت الواردات تراجعًا كبيرًا بنسبة 24%؛ حيث سجلت 13 مليارًا و814 مليون دولار، مقابل 18 مليارًا و233 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام الماضى بقيمة انخفاض قدرها 4 مليارًا و419 مليون دولار.
هذه المؤشرات ساهمت فى انخفاض العجز في الميزان التجاري لمصر بقيمة 4 مليارات و566 مليون دولار أي بنسبة تراجع بلغت 39% عن نفس الفترة من العام الماضي.
وفي ظل هذه الظروف الصعبة التى يشهدها الاقتصاد العالمي حاليًا بسبب تداعيات أزمة انتشار فيروس كورونا هناك فرصة ذهبية لتحول مصر لدولة صناعية كبرى؛ نظرًا للعديد من العوامل الجاذبة لرؤوس الأموال الكبرى في العالم على رأسها المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وما يقترن بها من إجراءات جاذبة للمستثمرين، حيث تقدمت الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية بقناة السويس بمشروع قرار لمجلس الوزراء منذ أيام، يتعلق بزيادة الحوافز المقدمة للمستثمرين وتحسين مناخ الأعمال بالمنطقة لجذب الاستثمارات.
كما أن افتتاح أنفاق 3 يوليو كان لها جانب كبير في زيادة معدلات التداول في شرق بورسعيد لاختصار زمن العبور وانتقال الأفراد والبضائع من شرق التفريعة لمدن القناة والقاهرة، لتتحقق الانطلاقة الكبرى للميناء في عام 2021 بعد اكتمال جوانب التنافسية ليحقق الريادة ضمن الموانئ العالمية.
أضف إلى ذلك زيادة الأراضي المستصلحة، والتي يعود فيها الفضل إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي أولى اهتمامًا بالفلاحين منذ بداية عهده ليضع خطة استصلاح المليون ونصف المليون فدان، ومشروع الـ100 ألف صوبة زراعية وغيرها من المشروعات التي أضافت للرقعة الزراعية في مصر، وهو ما ساهم في زيادة الصادرات المصرية من الفواكه لتسجل أعلى زيادة في قائمة المواد الخام المصدرة.
فقياسًا بشهر فبراير من العام السابق 2019، بلغ إجمالي الصادرات المصرية نحو 44 مليونًا و416 ألف دولار خلال فبراير ٢٠٢٠، وبلغت قيمة الزيادة في الفواكه الطازجة بقيمة 17 مليونًا و549 ألف دولار، بالمقارنة بصادرات فبراير 2019 والتي بلغت نحو 26 مليونًا و867 ألف دولار.
هذه الزيادة وضعت مصر في مرتبة متقدمة ضمن الدول المصدرة للفواكه على الرغم من الأوضاع الاستثنائية التى يشهدها العالم منذ بداية العام الجاري والتى أدت إلى تردى أوضاع حركة التجارة الدولية فى ظل الإجراءات الاحترازية لاحتواء انتشاره بين الدول.
جائحة كورونا بالتأكيد ستغير خريطة العالم الصناعية لتخلق فرصًا أمام دول أخرى، مع انتقال المراكز الصناعية لتمثل درسًا مهمًا لنا عن كيفية الاعتماد على أنفسنا، وتعميق التصنيع المحلي، والتكامل بقدر الإمكان.
فالصناعة عبارة عن مثلث من 3 أضلاع تتضمن التكنولوجيا المتطورة في الإنتاج بما يقلل تكلفة الإنتاج وبالتالي يكون سعره مقبولا والخبرة والمعرفة التقنية للتصنيع وتحديثات المنتج بالإضافة إلى اليد العاملة.
ولو تمكنا من ضبط الأضلاع الثلاثة في ظل الظروف الراهنة بالتزامن مع إجراءات أكثر تيسيرًا على أصحاب رؤوس الأموال وتشجيع الأيدي العاملة ستكون مصر فرصة ذهبية أمام المستثمرين بحكم موقعها في الشرق الأوسط، وباعتبارها بوابة إفريقيا وبحكم الواقع الجديد الذي سيفرض تحولات كبيرة على القطاعات الصناعية التي وإن تم استغلالها ستكون فرصة كبيرة للصناعة والاقتصاد المصري.