أفقد كورونا البشر ثقتهم بأنفسهم وبقدراتهم التى طالما تفاخروا بها. بدا لهم مدى ضعفهم وهشاشتهم. تشككوا فى أنماط حياتهم وأساليب تفكيرهم والأخطر فى معتقداتهم السياسية والأيديولوجية. تساءلوا إن لم يكن لها دور فى مواجهة الوباء، فما فائدتها؟.
فى بداية الوباء، ارتفع صوت أنصار الاشتراكية. الحكومات، بما فيها الرأسمالية، تحدثت عن تأميم المرافق العامة وزادت الإنفاق وأخذت لنفسها أدوارا لم تحلم بها. المناخ السياسى معبأ بالأفكار الاشتراكية، التى تلقى تأييدا من الناس، فالمواجهة تستدعى استخدام كل الأسلحة بما فيها المرفوض من قبل.
وجد منظرو الاشتراكية الوباء فرصة لاعادة الاعتبار لفردوسهم المفقود. أكدوا أنها باقية والعالم يحتاجها. الكاتب السلوفانى سلافوى تشيشيك وصف كورونا بأنه نتاج ثانوى للرأسمالية العالمية. إنه مرض فكرى لن ينقذنا منه إلا ثورة فلسفية. الحل بنظره: اشتراكية برؤية جديدة.
منظرو الرأسمالية لم يصمتوا. حذروا من عبودية جديدة: التخطيط المركزي، دور مسيطر للدولة، قتل المبادرات الفردية وتمجيد العمل الجماعي. الكاتب البريطانى البارز تشارلز مور يقول: الحرب الشاملة جيدة للاشتراكيين، ونحن فى حرب مع كورونا. دعوات كالاحتشاد وتوحيد الصفوف ومكافأة الجميع بالتساوى بغض النظر عن اسهاماتهم، تطغى على الحرية والخصوصية والملكية الفردية والتنوع. إنه حلم طوباوى زائف. الدولة ليست دائما المدير الأفضل. ما يثير غضب الرأسماليين، أن الحكومات، بنظرهم، تتبع أساليب موغلة باشتراكيتها، فبدلا من تمجيد العمال والفلاحين والجنود، كما فى الدعاية الشيوعية، يتم الآن تمجيد موظفى الرعاية الصحية.
سحب كورونا البساط من تحت أرجل الرأسماليين وأظهر مدى جشع الراسمالية التى لا يهمها سوى عودة النشاط الاقتصادي، ولو على حساب حياة البشر. فى المقابل، ظهرت الاشتراكية مثل أم تفنى نفسها لمصلحة أبنائها. ولذلك كان رد الرأسماليين عنيفا بتأكيدهم أن حرب كورونا لن تستمر طويلا، وسيعود العالم لقيمه الرأسمالية المعتادة.
ومن أسف، أن طرفى المناظرة الفكرية الدولية يتعاركان لإثبات صحة عقيدة كل منهما السياسية، بينما العدو يلتهم كل يوم آلاف الضحايا ساخرا من الجميع متمنيا لهم نقاشا فكريا فوضويا.
نقلا عن صحيفة الأهرام