تجاعيد وجهها تراجعت قليلا. بدأت علامات الشباب تعود إليها. شعرت بأن أهلها يعاملونها برحمة وعطف. تعترف بأنها عجوز متغضنة ليس لخطأ ارتكبته، ولكن بسبب الزمن والناس.
تتذكر تاريخها، فتجد أن عناصر جمالها تلاشت شيئا فشيئا. أصبحت تخجل من نفسها، بعد أن كانت تتباهى بجمالها وقدرتها على إسعاد الآخرين. دائما ما يكسوها حزن نبيل. قدمت كل ما تقدر عليه لإراحتهم، ولم تلق سوى النكران والإهمال.
من فرط التشوهات التى طالتها عبر العقود الأخيرة، تبدو القاهرة مدينة بلا قلب، كما أطلق عليها شاعرنا الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى فى ديوان رائع يحمل الاسم نفسه صدر قبل 61 عاما. لقد وضع سكانها ومسئولوها معايير البناء والجمال جانبا، وحولوها لغابة إسمنتية، ثم تخلصوا من مساحاتها الخضراء وجعلوا شوارعها فوضى، بحيث أصبح المشى فيها تجربة غير سارة بالمرة مع أنه أحيانا يكون أسرع من ركوب السيارة.
ثم جاء كورونا، فإذا بالقاهريين يلتزمون منازلهم ويخفون الضغط على شوارعها ومرافقها، والتلوث الهائل الذى كان سمتها البارزة، يتراجع قليلا، والشوارع تعود آدمية من جديد. بدأت علامات الصحة تظهر، وإن على استحياء، حتى إنها عادت لتتنفس بعض الهواء النقى. أصبحت تشعر بأن قيم الرحمة والتعاطف والإنسانية خاصة تجاه عزيز قوم ذل، لا تزال موجودة بالقلوب.
القاهرة الآن، تتطلع لأن تكون مثل مدن أخرى أقل منها جمالا وتاريخا وعبقرية. مدن استغلت الوباء وبقاء الناس ببيوتهم لإصلاح الأرصفة وفتح شرايين مرورية جديدة وإعادة الخضرة والنضارة لوجهها.أيضا لمواجهة مشاكل مزمنة كالحفر والمطبات والمواقف العشوائية.
بالتأكيد، كورونا كارثة إنسانية لكنها للكائنات الأخرى وحتى للحجر، فرصة للراحة والتقاط الأنفاس من اعتداءات البشر على الطبيعة. بعض الحيوانات بمدن عديدة شعرت بالأمان، فخرجت مطمئنة للشوارع التى كانت حكرا على الناس. إنها عظمة الخالق الذى يجعل من آلام الكائن البشرى، رحمة للآخرين.
القاهرة الآن، تخوض تجربة لم تمر بها منذ قرون.. تشعر أن هناك شعاع أمل. تتمنى أن يطول سبات الناس بمنازلهم. إنها متفائلة لكن فى صمت يليق بها وبتاريخها.
نقلا عن صحيفة الأهرام