علي الرغم من أن نظريات الإعلام والحرب النفسية والدعاية السوداء اختلفت كثيرا منذ أيام الحرب العالمية الثانية وحتي اليوم فإن بعض نصوصها (وبالذات التي لا تتعلق بالتطور التقني لوسائل الاتصال) لا تزال صامدة لم ينته تاريخ صلاحيتها بعد، ومنها جملة لجوزيف جوبلز وزير دعاية الزعيم الشهير هتلر، وتقول تلك الجملة: (أعطني إعلاما بلا ضمير أعطيك شعبا بلا وعي)، وقد استخدم جوبلز مقولة: (إكذب.. إكذب حتي يصدقك الناس).
ما يهمني هو دور الإعلام الجاهل في بناء الوعي الزائف في عملية يناير 2011 والتمهيد لها فأنتج هياج الجمهور ودفعه إلى محاولة هدم مؤسسات الدولة، وقد تواصل طريق ذلك الإعلام حتى الآن؛ ولكن بنتيجة مختلفة هي انصراف الناس وإعراضهم عنه؛ لأن عاملا تغير في المصريين (الجمهور المستهدف) وهو أن وعيهم الحقيقي أصبح هو السيد بعد أن انكشف المخطط الحقير الذي طبق أحدث نظريات حروب الجيل الرابع.
منذ ذلك الوقت تعددت حالات التضاغط بين الدولة الوطنية وبعض الصحف وأقنية التليفزيون التي ثبت أنها لا تحتاج إلى إصلاح بمقدار ما تحتاج إلى إحلال نظام إعلامي بديل يحل مكانها، وبهذا المعني تابعت بمنتهى الدأب عمليات ظهور الإعلام الجديد أو تطوير الإعلام التقليدي؛ سواء في قناة (أون) أو قناة (DMC) أو في "اكسترانيوز" أو "العاصمة" أو "الحياة"، أو في صحف "الوطن" و"اليوم السابع" و"صوت الأمة" ومواقع "مبتدأ".. وغيرها، ووجدت أن مستوى هذه الوسائل يتقدم حثيثًا، وأنها بلغت مستوى يمكن الثقة في ديمومته وتطوره ويجعلها محط ثقة الناس، وذلك بسنادة مقصودة من تطوير بعض البرامج في القنوات المختلفة بالتليفزيون القومي والتليفزيونات الخاصة، وضخ الكثير من الأموال وجهود الطواقم البشرية المتقدمة فنيًا فيها، المهم أن ذلك الإعلام الجديد يتقدم عليها، وأنها ستحمينا من تكرار الصيغ المشبوهة التي كنا نصادفها في إعلام ما قبل عملية يناير 2011، والذي كان أبرز تجلياته قيام رئيس تحرير صحيفة خاصة بمهاجمتي؛ لأنني قمت في برنامجي (حالة حوار) بكشف "جماعة الإخوان" ودورها في التحالف مع الإرهاب وقتما كان الجميع يتملقونها تمهيدًا لتمكينها، وبلوروا معنى الإعلام الذي بلا ضمير، والذي ينتج شعبًا بلا وعي.