Close ad

بداية الزمن الصينى

5-4-2020 | 14:38

يؤمن الكثيرون بوجود المؤامرة فى التاريخ، ومن ثم لم يكن غريبا أن يخضع فيروس كورونا للتفسير التآمرى لأحداثه ووقائعه، ولكن فى كل مؤامرة، يوجد مَنْ استفاد منها، ومَنْ سعى إليها. وبينما يهيمن الحاضر على المشهد، إلا أن اليوم التالى يستحق التوقف بالتأمل. وأحسب أننا نشهد بداية جديدة للزمن الصينى، واستدارة التاريخ عن الإمبراطورية الغربية، وتأكيدا لدرسه الخالد فى سقوط وصعود الإمبراطوريات بسبب العجز الاقتصادى، فقد سقطت الإمبراطورية الرومانية وانهار الاتحاد السوفيتى،عندما عجزت القدرات الاقتصادية عن مواكبة الطموحات والأحلام التوسعية. واليوم تبدو الدولة الأمريكية عاجزة عن مواجهة فيروس كورونا، ومضطرة ومعها الدول الأوروبية لشراء ما يعينها على علاج مواطنيها من الصين.

وبينما العالم فى غمار الحرب ضد الفيروس، يجرى تبادل اتهامات ما بين واشنطن وبكين بالمسئولية عن نشر الوباء، و قفز الجدل عن الحرب المحتومة بينهما على قمة العالم. ويغرى المشهد بالتساؤل: أليس هدف الحرب تقويض إرادة العدو وقدرته الاقتصادية؟ أليس تدمير ثروة الخصم فى سوق المال أكثر فاعلية من الصواريخ؟.إنها الحرب، ولكن أى نوع من الحرب، وهل من المعقول التورط فى حرب بين عملاقين، وما علاقة إرهاصات نهاية الزمن الأمريكى وبداية الزمن الصينى بما يحدث الآن.

فى البداية سخرت واشنطن من الفيروس بوصفه منتجا صينيا مزعجا ويأتى فى سياق الحرب التجارية مع بكين، القابلة للتطويع بحزمة من العقوبات. وسخرت واشنطن من معالجة الصين للموقف، ومن غياب الحريات والشفافية. وبمرور الوقت بدأت التساؤلات حول مصداقية الدعاوى عن أهمية الإنسان الغربى، فقد تبين أنه بلا قيمة. وأن العالم حلبة صراع، والصراع على الموارد حتمية تاريخية تقتضيها فرملة التكاثر السكانى، بالحروب والمجاعات والأوبئة، والبقاء للأقوى. وتزخر المواقع الإلكترونية بالعديد من المقالات التى تحمل واشنطن وبكين بمسئولية الكارثة. ويذهب هؤلاء لحد التخلص من ثلثى البشرية.

والآن تبدو الأجواء كأنها الحرب العالمية الثالثة، والتى تشهد حروبا بالوكالة وحروبا تجارية وعقوبات، وصراعا للبقاء ليس فقط لتحالفات مثل الاتحاد الأوروبى، وإنما صراع مرير بين الأفكار ومستقبل الرأسمالية، ومدى جاذبية النموذج الصينى. إنها حرب ترسم وجه العالم الجديد. والمدهش أن حرب كورونا كشفت عن حروب دائرة بالفعل، وسيناريوهات حروب خفية يتم التخطيط لها، وربما شنها دون معرفة الرأى العام. والآن يجرى الحديث عن الجيل السادس من الحروب، الذى يتسم بسمة الحرب غير المقيدة، وفيها جميع أنواع الحروب الاقتصادية والسيبرانية والمعلوماتية والنووية والبيئية والجريمة المنظمة والحرب الهجينة والعصابات المدرّبة والتى يمكن شنّها حتى فى حالة السلم، وعدم وجود صراعات عسكرية معلنة، وكورونا ليس ببعيد عن هذا الجيل من الحروب البيولوجية.

إن الحرب بين الولايات المتحدة والصين قد تبلغ من شدة الدمار لكلا البلدين ولشرق آسيا وللعالم ما يجعلها تبدو غير مقبولة للعقل. إلا أنها ليست كذلك. والفقرة السابقة هى جزء من مقدمة بحث أعده مركز أبحاث راند لمصلحة الجيش الأمريكى ونشر فى يوليو 2016 تحت عنوان: الحرب مع الصين: التفكير فيما لا يتقبله العقل.

قبل صدور تلك الدراسة قال الرئيس باراك أوباما فى فبراير 2013: إن أعداءنا يسعون لاكتساب القدرة على تخريب مؤسساتنا المالية... لا يمكننا بعد سنوات أن نتساءل لماذا لم نفعل شيئًا فى مواجهة التهديدات لأمننا واقتصادنا. وفى الظل كان هناك الجنرال آندى مارشال، الذى أسهم بدور فى تقديم نظرية الثورة فى الشئون العسكرية، التى تدور حول مستقبل الحرب ودور تكنولوجيا المعلومات المعاصرة والاتصالات السلكية واللاسلكية وتكنولوجيا الفضاء فى الصراع العالمى المقبل، وفى الحقيقة فأن مارشال كان مهندس خطة الحرب ضد الصين، و تتضمن الخطة التى يطلق عليها معركة البحر والجو، كيفية اختراق الجيش الأمريكى أنظمة المراقبة الصاروخية الصينية وتضليل صواريخها الدقيقة، قبل أن يشن هجومًا بحريًا وجويًا كاسحًا.

فى المقابل، كان الصينيون أكثر وضوحاً فى تبيان عقيدتهم القتالية، وفى كتاب نشر عام 1999 تحت عنوان: الحرب غير المقيدة، كتب كاى ليانج ووانج شيانج العقيدان فى جيش التحرير الشعبى الصينى: «إذا كان من الممكن أن يتم شن حرب من غرفة كمبيوتر أو من البورصة باستطاعتها جعل دول معادية فى الحضيض، فهل يوجد أى مكان بالعالم لا يمكن اعتباره ساحة محتملة للقتال؟».. إذا سأل شاب صغير اليوم: أين هى ساحة المعركة فإن الجواب سيكون: فى كل مكان.

وإذا لم تكن الصين قادرة على هزيمة أمريكا فى البحر أو الجو فقد تهاجمها فى أسواق المال، وهو ما تلمح إليه عقيدة الحرب غير المقيدة الصينية التى تشمل الحرب المالية والحرب الإلكترونية إلى جانب الحرب العسكرية التقليدية. وقد نشر مدير قسم التخطيط الاستراتيجى بأكاديمية العلوم العسكرية فى بكين اللواء وانج بوفنج عام 1995 ورقة تحت عنوان: تحدى حرب المعلومات. وفى مقدمة الورقة كتب وانج:«فى المستقبل القريب، ستسيطر حرب المعلومات على شكل الحرب. نحن ندرك هذا الاتجاه المتطور لحرب المعلومات. هذا الاتجاه سيكون حاسمًا لتحقيق النصر فى حروب المستقبل». وقد جعل الجيش الصينى هذا المبدأ أكثر وضوحاً فى كتاب الحرب غير المقيدة.

وتتضمن الحرب غير المقيدة من وجهة نظر العسكريين الصينيين طرقًا عديدة لمهاجمة العدو باستخدام الهجمات الإلكترونية التى يمكنها إيقاف الطيران وفتح البوابات وقطع التيار الكهربائى والإنترنت. ويبقى أن الصين فى مفترق طرق، فقد أثبتت كفاءة فى التعامل مع الأزمة، وتمكنت من كسب ود بعض دول أوروبا، وبرهنت على أنها مصنع العالم. وبينما يدخل العالم الزمن الصينى، إلا أنه لم يتعرف على القوة الناعمة للصين، وربما تقبل نموذجها السياسى على مضض، ولكنه لم يستسغ بعد نموذجها الثقافى، ولديه مخاوف من نوايا الإمبراطورية الجديدة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
التنين لايرقص والكاوبوى لن يرحل

التنين لايرقص والكاوبوى لن يرحل

التنين الصينى

التنين الصينى

الأكثر قراءة