Close ad

المجتمع المدني ومواجهة جائحة "فيروس كورونا"

1-4-2020 | 15:17

منذ إعلان منظمة الصحة العالمية عن هجمة فيروس "كورونا" بأنها "جائحة عالمية" في 12/3/ 2020، فإن هذه الأزمة الصحية العالمية سوف تحدد معالم المستقبل للمجتمع الإنساني واختبارًا لعزمنا، ولثقنا في العلم، ولحس التضامن الإنساني، وهذا النوع من الأزمات يسلط الضوء على أفضل ما لدى الإنسانية وأسوأ ما لديهم في نفس الوقت.
ولنبدأ ببعض الملاحظات حول إعلان منظمة الصحة العالمية، حيث حثت المنظمة جميع البلدان على اتباع نهج شامل يتواءم وظروفها المحلية، على أن يكون الاحتواء ركيزته الأساسية، وقد حددت دليل عمل للدول والمنظمات من خلال اعتماد إستراتيجية من أربعة محاور: الأول التأهب والاستعداد (لتهيئة الناس بأهمية الإجراءات الوقائية وتوفير كافة وسائل الرعاية الصحية لهذا الغرض)، والثاني الكشف والحماية والعلاج (بإجراءات مُحكمة للعثور على كل حالة مصابة بالفيروس وعزلها وفحصها ومعالجتها كي يمكن لنا كسر سلاسل الانتقال)، والثالث هو الحدّ من الانتقال وكبحه (بتقصي وفحص أكبر عدد من المصابين بالفيروس وعزلهl وفرض الحجر الصحي على أقرب مخالطيهم لإبطاء سرعة انتشار المرض)، الرابع هو الابتكار والتعلم ( بمنح الجميع فرصة الابتكار والاستفادة من خبرات الغير).

وبصدق نقول إن تعامل مؤسسات الدولة المصرية مع أزمة فيروس كورونا، بداية من وزارة الصحة وأجهزة الدولة وعلى رأسها القوات المسلحة يدعمها الإعلام الوطني، تميز بما يمكن وصفه بأنه إدارة رشيدة و"أداء استباقي" رائع، كان مثار إشادة منظمة الصحة العالمية. في المقابل نجد أن هناك حالة خوف كبيرة غير مبررة، ومن ثم تعد أزمة كورونا اختبارًا حقيقيًا لقدرات وقوة المجتمعات على مواجهتها، ونجاحنا يتوقف على قدر الوعي في التعامل مع الأزمات طويلة المدى، وبالنظر إلى هذه الجائحة فإنه لا يعرف لها نهاية محددة، في ظل سرعة تداعياتها، أمامنا مسئولية جماعية لا فردية لتحقيق الأمن والسلام والاجتماعي، وهنا يبزغ دور منظمات المجتمع المدني، (والمأمول فيه كثير) إلى جانب جهود الدولة المضنية.

يطلق مسمى المجتمع المدني أو المنظمات غير الحكومية على مجموعة من المنظمات أو الجمعيات الأهلية التي في غالبيتها لا تهدف إلى الربح وتضم في عضويتها المتطوعين للعمل الجماعي وخدمة المجتمع في الحياة العامة، وهي تقوم بتقديم الخدمات الاجتماعية والإنسانية، بالإضافة إلى تنفيذ بعض المشروعات التنموية لخدمة المجتمعات المحلية وفقا لمجال عملها.

ويمكن للمجتمع المدني القيام ببعض الأنشطة والمهام في مجال إدارة جائحة كورونا من خلال: تقديم الخدمات الإنسانية والطبية والاجتماعية، وكذا تقديم التجهيزات الخاصة بالتطهير وإمكانات الإسعافات الأولية، مع توفير المتطوعين المدربين للمساعدة في أعمال الرعاية في مناطق الحجر الصحي، والمشاركة في جمع التبرعات المادية والعينية، والإشراف على إقامة الدورات التدريبية للمتطوعين عبر البوابات الإلكترونية، التي حددتها WHO منظمة الصحة العالمية، كما تشارك منظمات المجتمع المدني في توعية المواطنين بمخاطر الفيروس، ووسائل مواجهته، وطرق الوقاية منه، وحمايتهم من خطره.

وغير خاف أن هذه الجائحة تتداخل فيها المراحل بشكل غير مألوف، فهناك محافظات ومناطق في المرحلة الوقائية، وأخرى ترتفع فيها معدلات الإصابة تدريجيًا، وهناك محافظات آمنة، ومن هنا يمكن تركيز منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية على بعض المهام الرئيسة إلى جانب جهود الدولة، ويمكن إضافة مهام أخرى وفق حاجة كل محافظة، ونوجز مراحل إدارة الأزمة في الآتي:

مرحلة ما قبل الأزمة: (وهي المرحلة الوقائية للمناطق غير المصابة حتى الآن)، ويمكنها القيام بالآتي: بعرض برامج توعية للجماهير حول الأزمة وكيفية الاستعداد لها، ونشر الوعي بمخاطر الفيروس، وبأهمية العمل التطوعي بالمجتمع، والتنسيق بين منظمات المجتمع المدني بين المحافظات المصابة، والتعاون مع الجهات التنفيذية في نطاق عملها في المحافظات، وتوفير التمويل الذاتي لتنفيذ مبادرتها في المرحلة الوقائية، وتوزيع المعونات على مدار الساعة، ووضع خطة متكاملة لإقامة معسكرات مؤقتة (حجر صحي) للمشتبه فيهم، وفق مطالب مديريات الصحة في المحافظات.

المرحلة الثانية مواجهة الجائحة" تفشي محدود للفيروس" وأهم إجراءاتها: انتقال أطقم متطوعي الجمعيات الأهلية لمناطق الإصابة وإرسال الفرق التطوعية وتقديم المعونة المباشرة في مناطق الحجر الصحي، والتواصل مع أطقم ووحدات التطهير في المناطق المصابة، والمعاونة في تحديد أولويات الإجراءات العاجلة لمواجهة الجائحة، وتقدير الاحتياجات بالتعاون مع الجهات التنفيذية في كل محافظة، وفق توجيهاتها دعمًا لخطة الدولة، وكذا التخفيف على الأسر المضارة نفسيًا وماديًا بتقديم معونات عينية، تزامنا مع الخدمات الأخرى.

المرحلة الثالثة ما بعد تراجع الجائحة من خلال: المساهمة في إعادة تأهيل المناطق التي تم تطهيرها (أسر / قرى / أحياء) وفق الأولويات أولها تقديم خدمات الرعاية العاجلة للمتعافين من خلال: زيارة المتعافين وتقديم الرعاية العاجلة لهم ولأسرهم، ودعم احتياجات المستشفيات وزيارة المصابين وتقديم الرعاية العاجلة لهم ولأسرهم، من خلال تنفيذ مشروع متكامل لرعاية المتضررين، ولتكون مشاركة المجتمع المدني في مرحلة ما بعد الأزمة في إطار منظومة وزارة التضامن الاجتماعي.

واقعيًا الدولة لم تستشعر مبادرات إيجابية تقدم لها مد العون في هذه الأزمة، ولم نسمع إلا عن مبادرات محدودة، تم إعلانها من خلال مجلس الوزراء، بتوفير مستلزمات طبية، لدعم خطة الحكومة في مجابهة فيروس كورونا، وبالتالي فإن الدولة بحاجة لدعم أبنائها المخلصين، في سباق من أجل مجابهة كورنا، وأيضًا للتخفيف من تداعيات الأزمة على مختلف الأصعدة. كما يمكن للنقابات المهنية، وإتحادات المستثمرين والمستوردين والمصدرين التبرع المادي في توفير احتياجات المستشفيات ومناطق العزل، كما يمكن لاتحادات ملاك المستشفيات الخاصة (افتراضيًا) أن يكونوا الاحتياطي الإستراتيجي لجهود وزارة الصحة والقوات المسلحة للدعم العلاجي واللوجستي الطبي.

وجدير بالذكر مصر على أبواب استحقاقين لانتخابات مجلسي الشعب والشورى، وربما المحليات، وقد أعد المرشحون المحتملون أنفسهم منذ قبل أزمة كورونا، ومن المبادرات المقترحة نأمل أن يكونوا أول من يسارع في تقديم العون للدولة (من أموال رصدوها لحملاتهم الانتخابية)، وكل الأحزاب مدعوة اليوم " لدعم مصر"، للدخول في سباق المؤازة بجوار باقي منظمات المجتمع المدني، وأتصور أنه أول اختبار حقيقي لأول برلمان مصري بعد ثورة 30 يونيو المجيدة.

وقد شاهدنا مبادرات إيجابية من بعض أصحاب الفنادق في العواصم العربية، للتبرع بإقامة للمعافين من الحجر الصحي، وفق تعليمات وزارة الصحة، كما تبرع العديد من رجل الأعمال على مستوى العالم لبلادهم وبلاد أخرى لمساعدة الدولة في مواجهة الأزمة، وأخيرًا وليس آخرًا التأكيد على دور منظمات المجتمع المدني في الخطة الإستراتيجية للتأهب والاستجابة بمحاورها الثمانية، وأن تكون هذه المنظمات ضمن تشكيل لجنة الوحدة الوطنية لإدارة الطوارئ.

ويمكن اقتراح بعض التوصيات لتفعيل دور منظمات المجتمع االمدني في مواجهة الأزمات مستقبلًا من خلال:

- إنشاء اتحاد نوعي للتنسيق بين الجمعيات الأهلية العاملة في مجال إدارة الطوارئ.

- حصر وتصنيف إمكانياتها، لتسهيل المناورة بالإمكانيات في الحالات الطارئة

- ضم ممثلين لمؤسسات المجتمع المدني في عضوية اللجنة القومية لإدارة الأزمات.

- وضع دليل عمل لتنسيق جهود مؤسسات المجتمع المدني في إدارة الطوارئ (قبل وأثناء وبعد...).

- ضرورة إشراك ممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني في برامج التدريب والدورات التي ينظمها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار.

- إضافة جزء خاص بالجمعيات الأهلية على الموقع الإلكتروني الخاص بقطاع إدارة الأزمات في وزارة التضامن الاجتماعي، وذلك لتوثيق التجارب والخبرات لتسجيل الدروس المستفادة.

- تطوير بروتوكولات التعاون - حالة وجودها - في مجال التخطيط لمواجهة الأزمات وإدارة الطوارئ بين الاتحاد العام لمؤسسات المجتمع المدني ومركز المعلومات ودعم القرار في الحكومة.

كاتب المقال:

أكاديمي وباحث وخبير إستراتيجي

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
التنمية العمرانية وتحدي التعديات

أثناء افتتاح العديد من المشروعات القومية فى الإسكندرية – وعلى رأسها محور ترعة المحمودية التي لم تر تطويرًا مميزًا منذ افتتاحها 1820م، كانت توجيهات الرئيس

أزمة كورونا وارتباك الأداء الدولي (2-2)

في ضوء خصائص الأزمات الدولية المعاصرة والتحديات المصاحبة لأزمة كورونا من خلال التحليل المتقدم في مقالنا السابق يمكن القول بأن: النجاحات المصرية جاءت مقارنة

أزمة كورونا وارتباك الأداء الدولي " (1-2)

شهد العالم خلال العقود الثلاثة الأخيرة تغيرات سريعة ومتلاحقة في كافة مجالات الحياة نجم عنها العديد من الأزمات الدولية المعاصرة، بفعل التطورات غير المسبوقة

كورونا وأزمة البحث العلمي في العالم

​يعد البحث العلمي ركيزة التحديث والتطور في الدول والمجتمعات، فالدول المتقدمة تبلغ من خلاله صدارة اقتصادية وعسكرية وعلمية، وهو المخرج للدول النامية للحاق

كورونا ومجتمع المخاطر العالمي

أثارت جائحة كورونا الفكر الاجتماعي فاستدعت نقاشات علمية حول مجتمع المخاطر تهديدًا للمجتمع الإنساني، وفي مقال حديث ومهم للدكتور أحمد زايد علي، استدعى نظرية