Close ad
26-3-2020 | 22:24

أوجدت محنة فيروس كورونا- التي تجتاح العالم -حالة من التكاتف بين المواطنين والدول، وأذابت الكثير من الفواصل السياسية بين الحكومات والمعارضة في أماكن عدة، وامتنعت الأخيرة عن المتاجرة بالأزمة التي صنفتها منظمة الصحة العالمية بأنها جائحة كدليل على الخطورة والتحذير من مغبة النتائج التي يمكن أن تفضي إليها دون تفرقة بين شرق وغرب، أو شمال وجنوب.

تكاد تكون جماعة الإخوان وحدها التي خالفت كل طقوس التلاحم والتراحم والأخلاق الحميدة، وعزفت نغمتها النشاز التي أدمنتها في توظيف المحن، وتمنت أن ينتشر الفيروس القاتل في مصر والدول التي تناهض الجماعة، ولم تقرأ ما فعلته الأزمة في العالم للدرجة التي جعلت البعض يفرقون بين عصر ما قبل وما بعد كورونا، بينما تصر الجماعة على أن تعيش في الماضي، وتمارس الدعاية المغرضة والأهداف المريضة. تفسير غيبي لكل أزمة. إضفاء عبارات قاتمة على المخالفين لها. تحريض على زيادة المشكلات بدلا من تخفيفها. تكرار لمصفوفة الغل والحقد والانتقام بلا أدنى احترام للقيم الإنسانية.

أزالت الأزمة الحدود المادية والمعنوية بين دول العالم، لكن الجماعة مصممة على البقاء داخل جزيرة منعزلة، في المتاجرة بالأوبئة وتوابعها، وبث الذعر في نفوس الناس، وتوظيف كل هفوة تحدث لخصومها وتضخيمها بطريقة ساذجة تخرجها عن سياقها دون مراعاة للمنطق والحق والعدل. ويظل أنصارها يكذبون ويكذبون حتى يكتبوا عند الله كذابين. لم يعد ذلك يهم قيادات تتعمد تجاهل هذه النقطة، فالمهم أن يبقى الأنصار والأتباع والإمعات يدورون في فلكها، لأنها لو اعترفت بخطأ أو تراجعت عن جريمة أو صححت مسارها لفقدت وجودها أصلا. لذلك يتساوى عندها كورونا مع الأوبئة التي سقطت وسوف تسقط في مستنقعها لاحقا.

فقدت حاسة السمع وأبقت على الطاعة، وأسقطت كل المعاني النبيلة من القاموس الإنساني في سبيل استمرار الدماء تتدفق في عروقها السياسية، معتقدة أن كورونا لن يصيب قياداتها وكوادرها ولن يصيب الدول التي يمرحون فيها. بالغت في حكاية السجناء بمصر ولم تلتفت إلى أن مصير حراسهم من ضباط وجنود لا يقل خطرا. ظلت الجماعة تتحدث عن تركيا وقطر وخلوهما من المرض حتى أصابتهما اللعنة بطريقة مخيفة في أعداد المرضى والوفيات. استخدمت كل مفردات الدعاء المستجاب وأصبحت مصر من أكثر دول العالم أمنا واستقرارا.

أخفق سلاح الشائعات هذه المرة والذي تردده دوما، لأن المواطنين بشرائحهم المختلفة دخلوا المعركة وفوتوا الفرصة على من يستثمرون في الأزمات. كما أن الحكومة تعاملت بشفافية ومصداقية عاليتين. وبذلت كل الجهود للحد من انتشار الفيروس. ناشدت، ولانت وحذرت، وضحت وحسمت، ودعمت وقدمت مساعدات سخية للانتصار على المرض. كلها شواهد واضحة للمجتمع الذي أفقد مفعول شائعات لا تعرف الجماعة غيرها.

ضاقت الفرص في الحركة لأن الأزمة عالمية، وأي خطاب يحمل مضامين محلية يعد من قبيل الخواء العقلي، وهو ما لم تدركه الجماعة مبكرا فوقعت في الفخ عندما بالغت في توصيف الحالة المصرية، ثم فوجئت ببيانات منظمة الصحة العالمية ومكتبها الإقليمي في القاهرة يرد على كل كبيرة وصغيرة لها علاقة بالأزمة. وعندما حرف إعلام الجماعة في تركيا وقطر كلام السفير الفرنسي بالقاهرة بشأن الحالة العامة رد الرجل سريعا مكذبا ومفندا، الأمر الذي أخرس ألسنتها، وحد من سيل المناحة التي نصبتها بذريعة الشفقة على المواطنين، بينما هي محاولة للقفز على المشهد، معتقدة أنها قبضت على البرهان.

لن تنتبه الجماعة لحالة التماسك التي أخرجت أجمل ما في المصريين بشتى أطيافهم السياسية وفئاتهم الاجتماعية ومستوياتهم الاقتصادية. ولن تتوقف عند العمال والفلاحين وطواقم الأطباء ورجال الشرطة والجيش وهم يضحون بأرواحهم وسط الأزمة، بما كشف عن أبعاد وطنية تتجاوزها الجماعة، أو بمعنى أدق لا تعرفها، ولا تريد فهم ما تنطوي عليه من دلالات تؤكد معنى الوطن وقت المحن. سوف تنتهي الجائحة بكل مراراتها الإنسانية، وتظل الروافد التي خلفتها باقية في التفاعلات الدولية، وكل من أسهم في التوصل إلى اللقاح الذي يبطل الوباء. بينما يذهب إلى مزبلة التاريخ كل من تاجر بها. انظر إلى موقف الدول المختلفة وتستطيع بسهولة التعرف على موقع الصين حاليا ومستقبلا، كذلك الولايات المتحدة وإيطاليا وألمانيا وفرنسا وروسيا وبريطانيا، وهكذا. كورونا ليس أزمة مرضية عادية تنتهي مع عبور خطوطها الحمراء، هو أزمة تحمل مكونات سياسية بعيدة المدى. وهذا أحد أبرز الدروس التي يمكن تعلمها. يتعلم الأشخاص والجماعات من تجارب الدول، لكن ترفض الإخوان التعلم، وهو ما جعلها متكلسة، وغير قادرة على التوافق مع التطورات المتسارعة، تطبق ما تعلمته منذ حوالي قرن، وتستخدم أدبيات السلحفاة التي تجاوزها الزمن مع أوضاع يتم حسابها بالفمتو ثانية. فكان من الطبيعي أن تصبح بعيدة عن الواقع ومعطياته الحداثية، تفشل كل محاولات التلون في إنعاشها، وتخفق كل المساحيق والأصباغ التي تضعها على وجهها في منحها قدرة على التعايش مع العالم من حولها.

وحد فيروس كورونا الدنيا بأسرها حول هم مشترك يهدد البشرية، وبقيت الجماعة أسيرة لرؤى ضيقة قصيرة النظر تدور حول ذاتها فقط. فليخرب العالم وتتهدم أركانه وتستمر الجماعة، هذا هو لسان حال أشياعها. لا يهم إفلاس سياسي أو فقر فكري أو انعدام في المسئولية الأخلاقية، إذا كانت هناك حناجر تنبح من اسطنبول والدوحة عبر وسائل إعلام مختلفة ومواقع تواصل متباينة، لا يعطي أصحابها فرصة للعقل ليعمل أو القلب ليدق.
لفت كورونا انتباه العالم لكل الأشياء التي تتطور وتتمحور، وبدل أولوياته من مراقبة سباق جارف في مجال الأسلحة الثقيلة والخفيفة إلى مراقبة الفيروسات والميكروبات المتناهية في الصغر، لأن خطورتها على الحياة البشرية باهظة، ما يجعل التخلص من الكائنات الخبيثة التي تتسلل بنعومة واجب على العالم، لأن وجودها يمثل تهديدا كبيرا. فتجربة كورونا الذي جمع شمل المواطنين، باستثناء الإخوان، تؤكد أن كل الفيروسات مهما كانت مصادرها حيوانية أم بشرية أم مصطنعة من الضروري وضع الأمصال المناسبة للتخلص منها نهائيا.
 

اقرأ أيضًا:
مصر لم تغب عن ليبيا

اعتبر البعض زيارة وفد مصري هذا الأسبوع لطرابلس لترتيب إعادة فتح السفارة في العاصمة الليبية، والقنصلية في مدينة بنغازي، خطوة لاستعادة دور مصر فى ليبيا،

مغالطات الشرق والغرب فى ليبيا

مغالطات الشرق والغرب فى ليبيا

الواقعية المصرية والتهور التركي

يُحسب للرئيس عبدالفتاح السيسي قدرته على التعامل بواقعية مع الأزمات الخارجية، والتي تراعي مصالح مصر في ظل خرائط إقليمية معقدة، وتفاعلات دولية غامضة.