عادة ما تقاس قوة الانتماء وتمسك الشعوب ببلادهم بدحضهم للشائعات، أيًا كان نوعها "زاحفة" "عنيفة"، "غائصة" وهي الأنواع الثلاثة التي اتفق عليها في تقسيم الشائعات من قبل الباحثين.
وما يحدث منذ سنوات من بث للشائعات بين المصريين، هدفه بالطبع تحقيق هزة بين المصريين، وقد أكدت المواقف قوة وصلابة هذا الشعب الذي أصبح يتعامل مع الشائعات بحرص وحذر شديدين؛ بل وله قدرة على تحويلها من شائعة إلى "نكتة سخيفة" كما حدث في حالتي الأخبار الكاذبة التي بثت من قبل مراسلي الجارديان ونيويورك تايمز..
فقبل أن تتخذ الدولة إجراءات حاسمة متمثلة في الهيئة العامة للاستعلامات برئاسة ضياء رشوان، كان الشعب المصري قد تعامل معها بحدة، فكتب الجميع معبرين عن سخطهم على ما نشر حول الأرقام الزائفة لمصابي كورونا في مصر.. وجاءت الردود سريعة جدًا، على وسائل التواصل الاجتماعي.
وما أدهشني تلك الروح العربية من قبل بعض الكويتيين والسعوديين والإماراتيين الذين رفضوا الانسياق وراء تلك الشائعات معبرين عن حبهم لمصر، حتى وإن كانت بعض صحف عربية قد انساقت وراء ما تم بثه، وبالمثل مع الصور المفبركة لبعض متسولين تم استغلالهم وكأنهم ضحايا كورونا في شوارع مصر.
التعامل مع الموقفين، أكد أن هناك مضادًا حيويًا واسع المجال في قناعات وإيمان الشعب المصري مع تلك الشائعات، مضاد ومناعة قويتين، تدلان على أن مصر بأبنائها وطن ضد أي من هذه الشائعات المصنفة والتي يستهدف بها وطن تعرض للكثير من الصدمات، وما زال ووقف ضدها.
فالشائعة التي بثت من خلال صور مفبركة لبعض الأشخاص ملقين على الأرض، شائعة زاحفة استهدف بها أن تزحف ببطء بين الناس لتثير الرعب، وتنتقل من إنسان لآخر، وإن لم تجد مجتمعًا متماسكًا لسرت كالنار في الهشيم، لكنها سرعان ما وجدت وطنيين، لديهم ثقافة وحس عال للتعامل مع مثل هذه الخزعبلات، تؤكد فشل كل الأيدي التي تحاول العبث بالإنسان المصري.
ومثلها أيضًا النوع الأكثر ضراوة وهو شائعات العنف التي تعد بعناية ضد البلاد، وتكثر في الحروب، والحمد لله إن ما يسهم في انتشارها من وسائل تواصل اجتماعي هو نفسه ما يستخدم من الإنسان المحب لوطنه، لدحضه.. ومهما حدث من بث للشائعات عن ما تواجهه مصر من صد للإرهاب، أو فيروس مثل كورونا، هناك شعب يدرك أن له عدوًا يتربص به، وهو لا يمتلك سوى هذه الأدوات مثل الشائعات يبثها بين أبنائه، تبث زحفًا أو عنفًا، أو حتى بدسائس كما يحدث في مواقف أخرى؛ حيث يسعى العدو لبث شائعات بين النساء مثلًا، أو حتى الأطفال، وطلاب الجامعات.. وتبث في أشكال عدة من خلال استدعاء مواقف سابقة يعاد تذكيرهم بها، وهنا تسمى الشائعة الغائصة التي تغوص ثم تعود مرة أخرى..
يثبت الشعب المصري يومًا بعد يوم، أنه أقوى من كل هذا، ولكن نحتاج إلى رؤية إعلامية موحدة، متماسكة تجمع المكتوب والمسموع والمرئي، تحت مظلة موحدة، خاصة في مثل ما نعيشه اليوم من محاربة لوباء متفش في العالم، ونتمنى أن يقف الجميع يدًا واحدة للتخلص منه، الرؤية الموحدة تحول دون مرور فيروس الشائعات إلى البيت المصري، المحصن بحبه لهذا الوطن.