خلال سنوات عمري الأولى وتحديدًا خلال المرحلة الابتدائية والإعدادية، كنت أجد في عيد الأم فرحة وحماسة ساعدتنا عليها مدرسة الراهبات التي كنت أدرس بها، بمساعدتنا على عمل كارت معايدة وإحضار بعض الهدايا لنا لنقدمها لأمهاتنا؛ وذلك حتى الصف الثالث الابتدائي، بعدها كنا نوفر مبالغ بسيطة من المصروف؛ لتقديم هدية رمزية ووردة لكل أم.
تركت المدرسة إلى أخرى في المرحلة الثانوية، وتعرفت على زملاء جدد سعدت بمعرفتهم جميعًا.. لكن هناك تغيرت نظرتي لعيد الأم؛ حيث كان لي زميلة وأختها التي تكبرها بسنة فقدتا والدتهما، وكانتا لا تأتيان إلى المدرسة في ذلك اليوم ولا تخرجان من البيت ولا تشهدان حتى التلفاز.
فكل شيء يدور حول هذا المحتوى حتى في الدراسة، حصص التعبير وربما الإملاء، كلمة الصباح، حصص الرسم والموسيقى، كم هو شيء مؤلم بالنسبة لكثيرين فقدوا أمهاتهم.
لا أعرف تحديدًا صاحب فكرة عيد الأم، ربما كان وفيًا لوالدته وأراد من ذلك تكريم كل الأمهات.. لكن الحقيقة هو أمر ليس فيه أي احتفاء أو شعور بالوفاء؛ لأن الابن البار أو الممتن لوالدته لا يحتاج ليوم محدد تقوم في الملايين بالمعايدة على الأمهات، فليس في ذلك أي مبادرة شخصية من الابن، وإنما هو واجب اجتماعي فرض على الجميع.
فأنا كأم أسعد بالهدايا التي يقدمها لي أبنائي؛ لكنها لا تعني شيئًا بالنسبة لحبهم لي، أما التصرفات التي تأتي بشكل فردي فلها قيمة أكبر بكثير من هذا الاحتفال.
أعتقد أن أي أم تسعد بتفاصيل أخرى أكثر من هدايا عيد الأم، كمكالمة رقيقة كل صباح للاطمئنان عليها، بكلمات مؤثرة مثل، بحبك يا ماما، واحشتيني يا ماما، إيه رأيك في هذا القميص يا ماما، الفضل يرجعلك يا ماما، ربنا يخليك لينا يا ماما ....... إلخ.
كلمات بسيطة تخرج من القلب وتصل إلى القلب بسهولة، فوردة واحدة لأمك وأنت عائد من المدرسة أو العمل أكبر بكثير لديها من هدية غالية تقدم في عيد يحتفل به الملايين.
كم من الأشخاص يعانون في هذا اليوم؟! أبناء فقدوا أمهاتهم، سيدات فقدن أبناءهم، وأخريات لم ينعم عليهن الله بالخلف.
لما يعاني هؤلاء جميعًا لمجرد أن هذا اليوم يقوم الجميع بمجاملات وواجبات لم يختاروها بإرادتهم؟!
فلنلغي هذا العيد، وليحتفل كل ابن بأمه يوميًا بالطريقة التي تناسبه وتسعدها، فلنتوقف عن إذاعة تلك الأغاني التي تبكي غير المحروم؛ فما بالك بالمحروم نفسه!!
إن هذا اليوم ليس عيدًا قوميًا، فلتتوقف المدارس عن التعامل معه على أنه عيد قومي، ولنغرز فيه قيم حب الوطن.
أتمنى حقًا إلغاء عيد الأم.