Close ad

أوسكار "طفيلي" يغير سينما العالم

15-2-2020 | 16:46

فوز الفيلم الكوري "باراسايت" أو "طفيلي" بجائزة أفضل فيلم دولي في أول تغيير للمسمى بجوائز أكاديمية فنون وعلوم الصورة "الأوسكار"، بعد أن كان المسمى " أفضل فيلم أجنبي" يعد الحدث السينمائي الأهم في بدايات 2020 كونه عملا غير ناطق بالإنجليزية، ومن ثم يضع السينما الكورية في صدارة تقييمات الجوائز العالمية، ويعيد النظر في أهمية المنافسة في هذا الفرع خلال الدورات القادمة، وهو ما يدفعنا للقول بأن الدورة الماضية الـ 92 تعد دورة فارقة في عمر أهم جائزة في العالم، والتي لم نعد كمصريين قادرين على حتى الوصول إلى قوائمها القصيرة.

فالفيلم الكوري الجنوبي وضعه النقاد منذ حصوله على سعفية مهرجان "كان" السينمائي العام الماضي كأهم فيلم، وراحت كل التوقعات تصب لصالحه، برغم أن المنافسة شهدت في الأشهر الماضية، التي أعلنت فيها القوائم أفلامًا مهمة كفيلم "الأيرلندي، وفيلم 1917، وذات مرة في هوليوود، وقصة زواج"، وأفلام أخرى تسابقت، لكن التوقعات في معظمها كانت إلى فيلم "طفيلي"، ليحصل أيضًا على جوائز أخرى، أفضل فيلم روائي، وأفضل مخرج وأفضل سيناريو لبونج جون هو.

فيلم " طفيلي" ليس عن صراع الخير والشر، ولا المافيا، ولا عن الحروب، بل عن تيمة عادية جدًا، الفقر والثراء، عن الطموح القاتل، فهناك مقولة للرئيس الأمريكي "إبرهام لينكولن" الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية، تقول: "قد تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت لكنك لن تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت"، تلك المقولة تتحقق في السرد الذي بنيت عليه الأحداث أسرة فقيرة جدا تحاول استخدام الخداع لتحقيق ثراء بكل الطرق، حتى وإن وصل الثراء لقتل الآخر.

نحن أمام أسرة تعيش في "بدروم" كل شيء يعتمد في هذا المكان على التلصص والسرقة، يبدأ بالتقاط إشارات "الواي فاي" وقرصنتها من الجيران، الأب، والأم، وطالب جامعي وشقيقته.

تبدأ رحلة الأسرة المكونة من أربعة أشخاص للخروج من الفقر إلى الثراء من خلال الابن المتفوق، الذي يستعان به لإعطاء دروس منزلية لابنة أحد الأثرياء، وهو مفتاح دخول الفيلم إلى المكان الرئيسي للأحداث، فتقريبا 90 بالمائة من أحداث الفيلم تدور داخل فيلا الأسرة الثرية.

تبدأ مراحل الخداع لإحلال باقي أفراد الأسرة محل العاملين بالفيلا من خادمة، وسائق، لينتقل الجميع، حتى تصبح معيشتهم وكأنهم سكان أصليون وليسوا طفيليين.

وأعتقد أن المخرج هنا أراد أن يطرح لنا سؤالًا مهمًا ويجيب في كل مشهد عنه؛ ماذا لو أصبح هؤلاء بعاداتهم وتقاليدهم وتربيتهم، حتى في المأكل والمشرب، في مكتب مرتب وأنيق، صوره لنا في مشهد تجتمع فيه الأسرة لتناول وجبة الغداء، بعد سفر أصحاب الفيلا في نزهة لم تكتمل.

وما أراد المخرج بونج جون هو، وهو كاتب القصة أيضًا، أن يؤكده للمشاهد أنه حتى داخل عالم الأثرياء يوجد طفيليين، من خلال الخادمة التي أتت بزوجها ليعيش في سرداب أسفل الفيلا، لا يعلمه أحد سواها، تطعمه، وتمنحه حياة أخرى، مختبئًا من المطاردة.

حصول الفيلم على هذا الكم من الجوائز، لأنه عمل متماسك، خطوطه غير مرتبكة، سرد وإن كان قد غلب عليه الميلودراما شيق وجذاب، لم يعتمد فقط على الحكاية البسيطة التي يعرفها الجميع من تطلعات الفقراء لحياة الأثرياء، بل قدم سينما خارجة عن المألوف في شخصية الأب الذي قدم دور السائق، ثم الأم بديلة للخادمة، والابن الذي لعب دورًا مهمًا في حياة ابنة الثري، والابنة المتطفلة، غير الآبهة بأي شيء غير الشرب.

حتى الصراع لم يكتف بكونه ثنائي الخطوط، بل أدخل الخادمة ليتحول الصراع إلى أضلاع مثلث، فالخادمة وزوجها يتحولان إلى جزء من اللعبة، وهو ما كان مفاجئًا حتى للمشاهد.

ما قدمه المخرج الكوري بونج جون هو نقطة تحول في تاريخ السينما غير الناطقة بالإنجليزية، وهو مؤلف ومخرج من مواليد عام 1969، وشارك في كتابة وإخراج أول أفلامه "الكلاب التي لا تنبح لا تعض" (2000)، وهو عبارة عن كوميديا سوداء لاذعة، وتبعه بفيلم "مذكرات جريمة قتل" (2003)، وحقق نجاحات كثيرة، قدم فيلمه السابق على "طفيلي" عام 2017 بعنوان "أوكجا" وهو اسم لحيوان، تحاول فتاة منع شركة متعددة الجنسيات من اختطافه.

اختيار المخرج لممثليه، كان موفقًا جدًا، خاصة شخصية الأب "سونغ كانغ"، وهو ممثل كوري شهير، قدم عشرات الأعمال المسرحية والسينمائية، ولم يقدم لنا المخرج صورًا لحياة الفقراء، أو الأحياء الفقيرة، فهو ليس بحاجة لمرجعيات، بقدر التركيز على الفكرة، وإن كان أعطى المشاهد صورة لما يمكن أن يحدث لهذه الأحياء جراء حدوث سيول أو أمطار، من دمار لمنازلهم الفقيرة.

فيلم "طفيلي" تغيير حدث في وقت أفاد ليس السينما الكورية، بل حتى أكاديمية فنون وعلوم الصورة، التي اتهمت بتنحية السود من المسابقة هذا العام، فكانت السينما الآسيوية هي سيدة المشهد.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: