Close ad
17-12-2019 | 20:19

مستقبل الثقافة في مصر.. الصادر عام 1938.. واحد من أهم كتب الدكتور طه حسين.. وهو عن الثقافة بمعناها الشامل، وركيزتها التعليم..

وجاء به الكثير من التفصيل حول العملية التعليمية، وصولًا إلى  مستقبل نحافظ فيه على ما كسبناه، وقد كان يقصد هنا معاهدة 1936 الموقعة في لندن، واعترفت بريطانيا بموجبها باستقلال مصر.

وبسط طه حسين في الكتاب أهمية ودور وتأسيس المدارس وتحديثها، ومن ثم الوظيفة الثقافية لمصر، التي لن تتم على خير وجه إلا إذا أنشأت مصر الحديثة أجيالًا من الشباب كرامًا أعزاء أباة للضيم حماة للوطن.. وسبيل ذلك واحدة لا ثانية لها، وهي: "بناء التعليم على أساس متين" داعيًا إلى الأخذ بأسباب الحضارة الأوروبية.

وركز عميد الأدب العربي على أهمية وحق الجميع في التعليم الأولي، الذي يؤهل التلميذ للقراءة، وما جعل كتابه يعيش ويؤثر ويُطلب حتى الآن، هو استمرار الحاجة إلى ما يجسده من مبادئ عامة وخطوط عريضة للأخذ بها في سبيل تحسين أوضاع التعليم.

والكثير مما جاء في كتاب طه حسين تحقق، فقد نشأت المدارس والجامعات، وتطرح فيها مناهج أكثر تطورًا مما ذهب إليه مؤلفه، وأن الدولة - حكومة وشعبًا - آمنت بأن التعليم على اختلاف أنواعه وفروعه ضرورة من ضرورات الحياة في أي أمة متحضرة.

ووصلنا إلى حالة يحتل فيها التعليم الهاجس الرئيسي للأسرة المصرية، همًا واهتمامًا وسعيًا وإنفاقًا، لكن مهمة كتاب طه حسين لم تنته، إذا كان للكتب تاريخ صلاحية، لأن الكثير مما طرحه لم يتحقق، حين دعا الدولة إلي إنشاء المدارس بما يمكنها من قبول الصبية والشبان كلما تقدموا إليها؛ لأن التعليم ليس ترفًا؛ ولأن الشعب معرض للخطر الذي يأتيه من داخل حين يفتك الجهل بأخلاقه ومرافقه.

واهتم العميد بالنتائج، بمعنى أن يكون التعليم صالحًا مصلحًا وخصبًا منتجًا، وهو ليس كذلك في كثير من الأحوال؛ لأن نتائج التعليم المنعسكة حتمًا على الأخلاق، هي من مكنت السلوكيات المنحطة من التعبير عن نفسها في صور عدة ما بين الجيران والأشقاء والمارة في الطرق، وهؤلاء تلقوا بشكل أو بآخر شيئًا من التعليم؛ لكنهم لم يحصلوه مقترنًا بالتربية والأخلاق، أكثر من ذلك فإن أكثر من تضبطهم أجهزة الرقابة في مصر بقضايا رشوة متعلمون؛ لكنه التعليم الناقص الذي لا يقوم فيه المعلم بدوره. 

وطلب طه حسين الاهتمام بالمعلم حتى لا ينظر إلى التلميذ على أنه مادة للعمل الذي يعيش منه، وموضوع للنشاط الذي يكسب منه القوت، فيعامله معاملة المادة الجامدة الهامدة، ويغيب الحب من المعلم لتلاميذه والاحترام من التلاميذ لمعلمهم؛ (ولنتذكر حادث مدرسة كفر الشيخ الأخير؛ الذي رقص فيه التلاميذ حول المعلمة لمنعها من الشرح، وتم فصل 8 طلاب لمدة 15 يومًا، ومجازاة مدير المدرسة).

كتب طه حسين بالحرف الواحد عن وزارة التربية والتعليم فترة صدور الكتاب سنة 1938: "ومن أجل هذا كله كانت في مصر ظاهرة خطرة أشد الخطر، مناقضة لطبيعة الأشياء أشد المناقضة، وهي أن وزارة التربية والتعليم عندنا ليست هي الملجأ للمثل الأعلى في الأخلاق، وما يجب أن يكون بين الناس من حسن الصلة وارتفاع العلاقات عن الصغائر والدنيات".

ولأجل العلاقة "التجارية" بين المعلم وأسرة التلميذ انتشرت "السناتر" والدروس الخصوصية، حتى في الجامعات الحكومية والخاصة؛ لتزيد أعباء على كاهل الأسرة التي تريد في النهاية إنجازًا كميًا حسابيًا (مجموع الدرجات)، ولتذهب التربية والأخلاق إلى الجحيم، بل الأخلاق الفاسدة أفضل؛ لأن ابنهم حينها سوف يستطيع التعامل في الشارع ومع الجيران، ويخدع الجميع، ويرتشي ويزيف ويفلت من العقوبات.

هذا تراث ممتد، لا أحمل الوزارة الحالية المسئولية؛ لأنه بدأ من زمن، عبرت فيه الدراما عنه ولم تصنعه، في مدرسة المشاغبين واللمبي وغيرهما؛ لكن الوزارة هي من تتحمل مسئولية تعديله، وإخراجنا من هذا النفق المظلم.. ولا يقتصر الحال على التعليم العام؛ بل كثير من خريجي الجامعات قد قصرت هذه الجامعات في تكوينه بصفته "الرجل المثقف المتحضر".

المهم هو المعلم، الذي نبهت منظمة اليونسكو في الاحتفال بـ"اليوم العالمي للمدرس" قبل ثلاثة أشهر إلى حقيقة أن "شباب المعلمين هم مستقبل المهنة".

لدينا أكثر من مليون مدرس، وأكثر من 23 مليون تلميذ في مراحل التعليم المختلفة، طبقًا للإحصائيات الرسمية، مما يعني مدرسًا لكل 23 تلميذًا، لكن الحاصل أن المدرس يقدم دروسه أمام ضعف هذا العدد، بسبب نقص الفصول، فالكثافة في المرحلة الابتدائية نحو 46 تلميذًا، وفي الإعدادي 43 تلميذًا، وفي الثانوي 39 تلميذًا.

وفي السنة الثالثة الثانوية تستطيع رؤية تلاميذ هذه السنة في "السناتر"؛ لأنهم لايذهبون إلى المدارس، ونحن كأولياء أمور نعرف كما تعرف المدرسة والوزارة في مؤامرة صمت رهيبة.

مصر تحتاج إلى بناء المزيد من الفصول؛ ولكن الأهم الآن من بناء الفصول - على حد قول وزير التعليم الحالي الدكتور طارق شوقي - هو بناء العقول.. وقد وضع البنك الدولي خطة أو منهجًا تعليميًا متطورًا لتعزيز النظام التعليمي بكامله، في دول العالم التي تستهدف التنمية الشاملة، من الممكن الاستفادة منه.

 ويتألف هذا النهج من خمس ركائز:

(1) متعلمون مستعدون ومتحمسون.

(2) معلمون مؤثرون وأكفاء. 

(3) فصول دراسية مجهزة للتعلم.

(4) مدارس آمنة وشاملة. 

(5) نظام تعليمي جيد الإدارة.

وأجندة طموحة للقياس والبحث، تشمل قياس كل من مخرجات التعلم ومحركاتها، بالإضافة إلى مواصلة البحث والابتكار الموجهين نحو العمل، بما في ذلك الاستخدام الذكي للتكنولوجيات الجديدة، حول كيفية بناء المهارات الأساسية.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة