Close ad

أصحاب القداسة وأصحاب التعاسة

14-11-2019 | 21:53

لا قدسية لأحد.. والانتقاد من منطلق علمي شرعي لا اعتراض عليه فكل يؤخذ منه ويترك إلا المعصوم "صلى الله عليه وسلم".. ولكن حينما يأتي الانتقاص والانتقاد من جاهل والغرض منه مجرد التشويه فهنا يكون الانتفاض دفاعًا عن الفكرة قبل أن يكون دفاعًا عن الشخص.

قطعًا الشيخ الشعراوي ليس فوق النقد، وغير معصوم هذا لا جدال فيه.. لا شك أن الشيخ الشعراوي ليس منزهًا ولا معصومًا، وله أخطاؤه البشرية وزلاته الإنسانية، ولكن الذين ينتقدونه اليوم ويتهمونه تلك الاتهامات إنما يقصدون ذلك الدين لا الشيخ في ذاته..

هذا ديننا وليس دين الشعراوي فقط، وغضبنا لديننا قبل أن يكون لشخص نحسبه على خير، ونفع أمته ولو بكلمة في يوم من الأيام..

والشيخ الشعراوي ليس نبيًا ولن يكون.. ولكنه أيضًا عالم رفيع القدر له مكانة عظيمة في قلوب ملايين المسلمين، ومن ينتقده يكون مثله أو يضاهيه في العلم والمكانة.

والبون شاسع بين الانتقاد والإساءة، واتهام الإمام بالتطرف مرفوض رفضًا قاطعًا.. ثم ما زاد الأمر تعقيدًا أن هناك من ركب الموجة، وإذا كنت من المدافعين أو المحبين يتصدى لك تنظيم المتنطعين من بعض العلمانيين، مناط الموضوع هو النقد بقدر من العقل والحكمة، وإعمال العقل طرحًا ومنطقًا لا إعمال الهوى عند النقد، فضلًا عن الصياغة السليمة في الطرح لا الصياغة الركيكة الممجوجة، كما فعلت تلك "الفتاة" عندما وصفته بالمتطرف، أو كما زعم "خالد أبوالنجا" بأنه شيخ جاهل، وهناك فرق بين النقد والتطاول!!!

هناك مواقف من عهد الخلفاء للنقد حدثت؛ مثل عندما كان عمر يريد إلغاء المهور فردت عليه امرأة وذكرته بالآية القرآنية التي تقر هذا الأمر، فقال قولته المشهورة أخطأ عمر وأصابت امرأة.. والواقع الجاري حاليًا - والحقيقة التي نعاينها - يقولان إن العلمانيين العرب - لا سيما المصريين منهم - في أغلبهم - إقصائيون ويكرهون التعدد والتنوع والاختلاف، وهم الذين يثبتون أنهم ضد الديمقراطية وصندوقها الانتخابي الصغير؛ طالما لم يأتِ بهم! وردود أفعال كثير منهم إزاء الانتخابات التونسية الرئاسية والبرلمانية الأخيرة فضحتهم وعرتهم وكشفتهم.

الموقف الفكري الإسلامي المعاصر في نظرته لهؤلاء تجاوز الرؤية الحدية، ويؤكد حقيقة التنوع والتعددية وسنة الاختلاف، ويؤكد مرجعية الدستور والقانون وآليات النظم السياسية والدستورية المعاصرة لاحتضان هذا التنوع والتعدد، وحسم اختيارات الناس بين هذا التنوع والتعدد، والذي يحتاج - الآن - أن يثبت إيمانه ومصداقيته في الإقرار بسنة التنوع والتعدد والاختلاف، وحق الناس في التعاطي مع هذا التنوع وذلك الاختلاف هم "العلمانيون العرب، وفي مقدمتهم العلمانيون المصريون إذا كانوا - فعًلا وواقعًا - يفهمون أو يستوعبون حقيقة العلمانية التي يزعمون اتشاحهم بها، ليس لهم من العلم والفقه والاطلاع على علوم القرآن والسنة وطبقات الرجال وما شابه ما يجعلهم قادرين على وزنه بميزان العلم الشرعي؟

وغالبية الليبراليين من يلقنوننا ـ آناء الليل وأطراف النهار ـ دروسًا في الديمقراطية وشرور الديكتاتورية، ويعلموننا كيف نكون ديمقراطيين.. غالبيتهم بداخل كل واحد منهم "الحجاج بن يوسف"، وعلي الجانب الآخر معظم المتأسلمين في حال تولوا "سلطة" سنكتشف أن بداخل كل واحد منهم سلطانًا أمويًا أو عباسيًا أو مملوكيًا: الحاضر هو سليل الماضي، ويحمل جيناته الوراثية وقد فشل العلمانيون في شرح أن النظام السياسي العلماني ليس ضد الدين.. وإنما ضد احتكار الدين للسلطة.. وهي فحوى الفلسفة العلمانية للحكم، نظام يقف عند مسافة واحدة من جميع الأديان، يتعاقب على الحكم فيه، من يختاره الناس؛ سواء كان علمانيًا أو إسلاميًا أو مسيحيًا أو بلا دين أصلاً.. يخضع لرقابة المؤسسات الدستورية والقانونية والمنتخبة، وبفصل صارم بين السلطات الثلاث.

ولكن في دولة الخلافة "الدينية /الطائفية"، يترك الخليفة للقضاة الفصل في منازعات الناس العادية.. أما المعارضة السياسية، فكان يعتقلها أو يستدعيها إلى قصره، ليقوم بنفسه بقطع الرءوس، وحرق الجثث أو تقطيعها وإذابتها في النهر.. أو تعليقها بالسنوات في الشوارع، وعلى أبواب عاصمة الخلافة، تحت مظلة دينية زينها له الفقهاء والعلماء ومن بينهم كبار رواة الحديث!!

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مصر الغريبة بأسمائها

الزائر لمصر لأول مرة لن يصدق أنه في بلد عربي لغته العربية فمعظم الأسماء للمحال والشوارع والمنتجعات، بل الأشخاص ليس لها علاقة باللغة العربية وباتت القاهرة

مصر تخطت الفترة الانتقالية

جاء حين على مصر كانت شبه دولة عندما تعرضت لهزة عنيفة ومحنة سياسية واقتصادية قاسية، عقب ثورتين تخللتهما موجات إرهابية تصاعدت فى ظل غياب وانهيار لمؤسسات

ثوار ما بعد الثورة

لابد من الاعتراف بأن كل ما في مصر الآن نتيجة مباشرة لأحداث ٢٥ يناير بحلوه ومره، فأي إصلاح هو ثمرة مباشرة لشجاعة ووعي ودماء شرفاء سالت لتحقق حلم الأمة في