بدأت وزارة التربية والتعليم في مصر في إجراءات لسد العجز في المعلمين؛ حيث احتفت الوزارة قبل شهر تقريبًا بإطلاق البوابة الإلكترونية للوظائف، للتعاقد مع 120 ألف معلم لمدة عام واحد قابلة للتجديد لمدة 3 سنوات، وهذا العدد لن يكون إضافة لأعداد المعلمين المصريين في المدارس، بقدر ما هو سد للعجز في أعدادهم، حيث يساوي العدد المطلوب حاليًا مجموع المحالين للمعاش والحاصلين على إجازات بدون مرتب والإعارات الداخلية والخارجية.
وعمومًا فإن هذا العدد والتعاقد معهم مؤقت، يمثل نحو 10 في المائة من إجمالي المعلمين في مصر، والذين يصل عددهم إلى مليون و300 ألف معلم، يقومون بعبء العملية التعليمية لـ 22 مليون طالب وطالبة.
وكان وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي قد أوضح أن التعاقد مع معلمين جدد يأتي في ضوء السعي لسد العجز في المعلمين، وأن الوزارة تعمل على التوسع في مشروع "المعلمون أولًا"، الذي يستهدف تدريب أكثر من نصف مليون معلم.
هذه خطوة إيجابية خصوصًا في مسألة التدريب؛ لأن المعلم كما أتذكره كان في الغالب الأعم "مؤسسة" تربوية موازية لمؤسسة المدرسة نفسها، فقد أدرك جيلي مدرسين كانوا يؤمنون بالعملية التربوية والتعليمية، وينقلون إلينا مفاهيم أبعد من الدروس..
كما لحقنا بمدارس تعلمنا فيها الإدارة الذاتية، قراءة القصص، الرسم، والموسيقى، والألعاب، ومدرسون يكتفون بالمجموعات وعائدها المالي المتواضع، لهم وللمدرسة، ويحبون من يسألهم بعد الحصة عن أشياء فاتتهم أو كانت عصية على أذهانهم.
ومدارس كنا نبقى بها إلى المراجعة النهائية قبل الامتحانات مباشرة، وليست مكانًا لتسجيل الشهادات، خصوصًا الثانوية العامة، كما هو حاصل الآن.
لا ينبغي قطعًا طوال الوقت أن نكون رومانسيين ونصدر الوهم بإمكانية عودة الزمان الجميل، نحن أمام واقع شديد القسوة على المعلم والتلميذ وأسرتيهما، وأمام أحوال بلد يحاول النهوض وسط ظروف معاكسة، ولكنه ينجح في ذلك ويتلقى إشادات دولية.
وأرى حيوية في الدولة اتفق معي من اتفق واختلف من اختلف؛ فرئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي يقول في احتفالية إطلاق البوابة الإلكترونية للوظائف إن التعليم يشغل ترتيبًا متقدمًا بين أولويات الدولة خلال هذه المرحلة، باعتباره ركيزة رئيسية نحو بناء الإنسان المصري، بما يخدم جهود البناء والتنمية.. أما الحكومة فهي تعمل على توفير الاحتياجات الممكنة لقطاع التعليم بمختلف مراحله، بما يدفع نحو تطوير تجهيزات المدارس، والارتقاء بقدرات المعلمين، لتحسين مخرجات العملية التعليمية.
ويستكمل رئيس الوزراء طرحه بعد تلك التصريحات بنحو ثلاثة أسابيع بالكشف عن أنه اعتبارًا من يناير المقبل فإن أي مبالغ ستوفر من الموازنة العامة للدولة ستوجه لقطاعي الصحة والتعليم، كما بحث أخيرًا في إنشاء مفوضية عليا للتعليم ما قبل الجامعي.
كانت الإشارة التي ذكرتها الأسبوع الماضي، نقلا عن الموقع الإلكتروني للبنك الدولي، أن مصر دشنت بالفعل برنامجًا رئيسيًا لإصلاح التعليم للتركيز على "التعلم"، وليس فقط "التعليم"، ما اعتبرته مديرة شئون الإستراتيجية والعمليات للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في البنك "خبر سار".
وكان عنوان الاجتماع السنوي الأخير للبنك الدولي في واشنطن هو: "خفض معدل فقر التعلم"، كهدف يمكن الوصول إليه في العام 2030.. في ذلك الاجتماع قالت أنيت ديكسون، نائبة رئيس مجموعة البنك الدولي للتنمية البشرية "نعلم أن التعليم عامل حاسم في ضمان تكافؤ الفرص"... و"مقصد الهدف التعليمي هو تحفيز التحرك نحو هدف طموح لكنه قابل للتحقيق".. وضربت مثلا بالعديد من البلدان النامية التي تثبت أن تحقيق تقدم سريع أمر ممكن، وأشارت إلى كينيا، التي تحقق تقدمًا من خلال تدريب المعلمين بدعم تكنولوجي، وأدلة المعلمين، وتقديم كتاب مدرسي واحد لكل طفل (باللغتين الإنجليزية والسواحيلية) مع محتوى مناسب لمستوى الطلاب، كما قالت عن مصر إن "الحكومة غيرت مناهجها وأنظمة التقييم، بحيث يتم تقييم الطلاب على مدار العام، مع تركيز العنصر الأساسي في الإصلاحات على التعلم بدلاً من الحصول على الاعتماد المدرسي"، وفي فيتنام، حيث تم طرح مناهج وطنية واضحة غير مبهمة، وتوزيع الكتب المدرسية على جميع الطلاب تقريبًا، وانخفاض نسبة التغيب بين الطلاب والمعلمين.
نعود إلى الواقعية، فمشروع الوزارة "المعلمون أولاً" الذي يستهدف التدريب، ينبغي أن يشمل، أو يوضع بمحاذاته مشروعات أخرى:
ـ خطة للوصول براتب المدرس، وعوائده من المدرسة، كإحياء نظام المجموعات القديم مثلاً، إلى دخل شهري مناسب..
ـ مشروع للارتقاء بالأبنية التعليمية والتأكد من سلامة الفصول وملاءمتها للعملية التعليمية، وللأنشطة المدرسية..
ـ إعلان خطة للوصول والتوسع في أعداد المدارس، مما يتيح لكل طفل فرصة الالتحاق بالمدرسة، وفي ظل كثافة فصول طبقًا لمعايير دولية، في السن المقررة، والإعلان عما يمكن أن يتحقق منها سنويًا..
ـ الكشف بانتظام عما سيتم توفيره من الموازنة العامة للدولة، كما وعد رئيس مجلس الوزراء وتوجيهه إلى التعليم، مما يعزز الإرادة العامة للحكومة والرأي العام تجاه الجدية في ملف التعليم..
ـ خطة رقابية للتفتيش والمتابعة، أو تفعيلها إن وجدت، على المدارس والأبنية التعليمية، لرقابة الحضور والغياب للتلاميذ والمدرسين والإداريين، وتطبيق المناهج، والأنشطة، وانتظام العملية التعليمية، مما يعزز الالتزام والكفاءة والجودة.