آثرت أن أتمهل قليلا قبل الدخول على خط الجدل الذي اشتعل – ولا يزال - في المجالس وكواليس السوشيال ميديا بسبب فيلم "الممر"، والتي انقسمت نخبتنا على أثره ما بين متحمس ومتحفظ ومتعال! كشف هذا العمل الاستثنائي عن مرض قديم لدى المثقفين أعرفه جيدًا؛ وهو الاستعلاء على كل ما يهم الشارع وتتجاوب معه بشكل كبير الجماهير.
هذا المفهوم الساذج المراهق الذي طالما عانينا منه ليس فقط في السينما؛ بل في المسرح والفن التشكيلي والأدب، بأنك لن تكون عظيمًا إلا إذا كنت غامضًا، ملغزا، لا يستوعبك أحد، فتنتظر تصفيقًا حارًا من خمسة ستة متابعين يهنئونك على عبقريتك، ويقولون لك: ليكن عزاؤك أن جميع العباقرة لم يفهمهم أحد في البدايات، ولكن التاريخ أنصفهم ولو بعد حين!
صحيح أن هناك ملاحظات فنية سلبية مثل أداء "أحمد عز"؛ الذي بدا في بعض مشاهد الفيلم خاليًا من الانفعال اللازم، وعدم منطقية مرور أفراد القوة المسلحة وسط الوديان والسهول المكشوفة في عز الشمس كهدف سهل للطيران الإسرائيلي، لكن هذا لا يمنع أن الفيلم في مجمله إنجاز مدهش واستثنائي، فهو يعد خطوة رائعة على طريق استعادة الذاكرة الوطنية، وإضاءة الطريق أمام الأجيال الجديدة؛ للتعرف على بطولات جيش عظيم صنع أسطورته الخاصة.
والحق أننا منذ "أيام السادات" ومن قبله "ناصر 56" عشنا نحو عشرين عامًا نفتقد تلك السينما القادرة على أن تشعل الرأي العام بحالة صحية من الجدل عبر أفلام مصرية تقدم لنا المتعة البصرية، وتثير نقاشًا مطلوبًا.
سأقبل بكل الآراء متفهمًا ومستوعبًا، باستثناء هؤلاء المتعالين الذين يرفعون دومًا وأبدًا شعار: خالف تُعرف!