كل إنسان ينشد السعادة، لا جدال في ذلك، وإن اختلفت مفاهيم الناس حولها، لكن سر السعادة لا يتم في السعي إلى المزيد، بل في القدرة على التمتع بالأقل..
والحياة، كما يقولون "من ده على ده"، فلا سعادة تدوم ولا حزن يستمر، ولا تخلو حياة أي إنسان، وإن بدرجات متفاوتة، من لحظات قد يحسد نفسه فيها على لحظات السعادة، وإن كانت عابرة!!.
فعندما تجلس مع أصدقائك أو عائلتك وتبدأون في الضحك، غالبًا تجد من يقول "اللهم اجعله خيرًا".. وتكون هذه الجملة تعبيرًا عن القلق أو الخوف من حدوث شيء ما سيئ بعد لحظات السعادة تلك!
وبعض الناس أيضًا، بمجرد أن تصيبهم السعادة، يبدلون حالتهم إلى النكد بأي سيرة حزينة أو ذكرى مؤلمة، مثل العادة المصرية القديمة في زيارة المقابر في يوم العيد! أو التمسك بالألوان الغامقة وحدها في الملابس دون أي ألوان مبهجة، وكأننا في حالة حصانة ضد الفرح!
تماما مثلما يقرر شخص العيش في مكان آخر، بعد طول مكث اعتاد فيه رؤية الحجر والشجر والبشر سنوات عديدة، وبدلا من أن يفرح،؛ وهو الطبيعي في هذه الحالة، خاصة إذا كان مكانه الجديد أكثر رحابة وهدوءًا، تنفتح عليه أبواب الذكريات على مصاريعها، فتغلبه دموع الحزن، بدل أن تكون دموعا للفرح...
فهل لهذا أصل في العلم؟
نعم هناك ما يسمى بـ فوبيا أو رهاب أو الخوف من السعادة، وتعني بلغة الطب النفسي "شيروفوبيا"..
أتحدث إلى صديق عن هذه الحالة، فيفاجئني بالقول، هل تعلم أن هناك فرقة غنائية مصرية اسمها "مسار إجباري" لها أغنية بعنوان شيروفوبيا، تسرد الخطوط العريضة للخوف من السعادة بشكل دقيق. دفعني فضول المعرفة إلى سماعها، على غير عادة مني، فقد توقفت عند زمن الجيل الذهبي للمطربين.
تقول إحدى مقاطع الأغنية "وإني كافر بالسعادة.. وإني مؤمن بالعياط".. هكذا يفكر مصاب الشيروفوبيا: أنا سعيد، إذن ستحدث مصيبة، هو لا يخشى السعادة، بل يخشى ما سيأتي بعدها.
في نفس الأغنية مقطع آخر يقول "وإني مايل لانعزالي ومادة خام للاكتئاب" بمعنى الإعراض عن كل مظاهر السعادة، كحفلات الزفاف أو حتى التنزه مع الأصدقاء!!
فماذا تعني "شيروفوبيا"؟
نوع من الخوف يجعل الشخص يتجنب حالات الفرح والسعادة بطريقة غير منطقية، وجاءت التسمية من الكلمة اليونانية "تشيرو"؛ وتعني البهجة الغامرة، والذين يعانون من هذا الرهاب، وفق ما يقوله موقع "هيلث لاين"، غالبًا ما يخافون من ممارسة نشاطات قد تجعلهم سعداء أو فرحين أو مستمتعين.
ومن يعانى رهاب السعادة ليس بالضرورة أن يكون حزينا، لكنه ـ وفقًا لما ذكره موقع "ديلي ميديكال إنفو" ـ يتجنب الأنشطة التي يمكن أن تؤدي إلى الفرح، ومن أمثلة ذلك تجنب حضور أنشطة مبهجة، مثل الحفلات أو الأفراح، ورفض الفرص التي يمكن أن تؤدي إلى تغييرات إيجابية في الحياة بسبب الخوف من أن سيئًا سيحدث بعد ذلك.
لأن الخوف من السعادة لم تتم دراسته بشكل كبير باعتباره اضطرابًا منفصلًا، فلا توجد أدوية يمكن تناولها لعلاج هذه الحالة، ومع ذلك، فإن بعض العلاجات المقترحة تشمل العلاج السلوكي المعرفي، وهو العلاج الذي يساعد "الشيرفوبي" على التعرف على الخلل في تفكيره، وتحديد السلوكيات التي يمكن أن يساعد تغييرها على تحسن حالته.
لكن إذا كان رهاب السعادة مرتبطًا بصدمة سابقة، فإن علاج السبب الكامن وراءها قد يكون هو الحل.
وهناك أيضًا وسائل الاسترخاء، مثل التنفس العميق واليوجا، أو ممارسة الرياضة، ومن أساليب العلاج كذلك التعرض للأحداث السعيدة، وتذكير "المريض" أن ليس كل حدث سعيد يتبعه آخر سيئ.
بعض هؤلاء الناس قد يتجنبون إسعاد أنفسهم أحيانًا، لكنه بمجرد أن يدخل أحدهم حفل زفاف أو احتفال بمناسبة سعيدة، تصيبه عدوى السعادة تلقائيا، عملا بالمثل الشعبي "من جاور السعيد يسعد".
وبرغم كل ذلك؛ هناك حكمة لاتينية، معناها بالعربية "عيش اللحظة"، فلا تهدر لحظات السعادة خوفًا من مجهول تراه سيئًا، وقد لا يأتي أبدًا، والأهم من ذلك كله، لا تنس أن الأديان السماوية نفسها تحرض الإنسان وتحثه على التفاؤل وانتظار الخير.." تفاءلوا بالخير تجدوه"...