Close ad

في ذكرى النصر والعبور.. معركتنا مازالت مستمرة!

3-10-2019 | 20:58

كنت قد نوهت في مقالي السابق عن تكملة حديثي عن ديننا الحنيف، ويوم السلام العالمي، بيد أن حلول ذكرى نصر أكتوبر العظيم، جعلتني لزامًا علىّ مشاركة أبطالنا ومصرنا الحبيبة تلك الذكرى المباركة.

فبعد جهد كبير ومضن، مقترنًا بأخذٍ بالأسباب والتوكل الصادق على رب الأرباب، انصهر أبطالنا جميعًا في بوتقة واحدة، لتخرج عبقرية فريدة ونادرة من نوعها، باهرة العالم من هذا البناء وذلك المعدن.

كثيرة هي العوامل التي كانت تشكل موانع وعوائق وحوائط سد، يستحيل معها مجرد التفكير في نية الدخول للحرب، لعل أهمها وأبرزها؛ حالة القنوط واليأس اللتين أصابا المصريين عقب ما يسمى بنكسة 1967، ثم المشهد الضبابي الاستسلامي اليائس، الذي توشح وتدثر به مواطنونا خاصة، ومجتمعنا عامة، الذي كان يمثل صورة سوداء سلبية كئيبة للكثيرين ممن عاشوا تلك الحقبة الزمنية المظلمة.

ثم يأتي الأخذ بالأسباب، فيعاد بناء جيشنا، بناءً عسكريًا متلازمًا بالإيمان، فتتمازج وتتوحد صيحة الله أكبر مدوية في آفاق السماء بعرق جنودنا، تدريبًا، فقتالًا، فنصرًا مبينًا مستحقًا من رب العالمين لهؤلاء البواسل، الذين لن ننساهم، ولن ينساهم تاريخنا المجيد، مسطرين ملحمـة خالدة في سجل شرف الزمان وعزته؛ فالكل مسلم ومسيحي، امتزجت دماؤهم، مختلطة ببعضها، فلا تعرف هنا دين هذا من ذاك، بل أزعم يقينًا بشهادات رويت لي من أبطالنا، أن هناك من جنودنا المسيحيين من ضحى بروحه فداءً لإخوته الجنود المسلمين الذين كانوا معه، والمثل بالعكس، ولا أدل على ما أسوقه من أن هناك قادة مسيحيين شاركوا في حرب أكتوبر 73، وضحوا بأرواحهم تلبية وفداءً لوطنهم وأرضهم وعرضهم، يجمعهم حب الوطن، وحفظ ترابه، وعرض أبنائه من الدنس الصهيوني، ويفرقهم دينهم وعقيدتهم، في مودة وحب وبر لا تنفك عراه إلى يوم الدين.

الآن قد يرى الكثيرون  منا أن حربنا قد انتهت بانتهاء معركة السادس من أكتوبر وانتصارنا بها، بيد أني اختلف كليةً مع هذا الطرح، إذ أؤمن يقينًا وحتمًا أن معركة التحدي الأكبر مازالت قائمة، متمثلة في بناء وطننا ومجتمعنا وإنساننا المصري قبلهما، سلوكيًا، وأخلاقيًا، واقتصاديًا، وتكنولوجيًا، حتى يعاد لنا وبنا زمن الأمجاد الحقيقية، الذي نضرب به المثل الآن، حسرةً وتوجعًا على ماضٍ تليدٍ كانت حضارتنا الفرعونية فيه - وما زالت - تمثل مضرب الإعجاز العلمي والتعليمي والحضاري.

كثير منا يعتريه ويكسوه اليأس الآن، متسائلًا ومستنكرًا، هل نستطيع بناء مصرنا وعودتها لصدارة المشهد العالمي الآن؟ أجيبه بكل يقين وثقة في الله: نعم نستطيع ونقدر بإذن الله، شريطة أن نتوكل على الله حق توكله، وأخذًا بالأسباب، مسترشدين برجالنا أبطال السادس من أكتوبر، وتلك الروح الإيمانية العالية التي لا تقهر، والتي تعمل تحت أسوأ الظروف، وضعف الإمكانات، نعم نقدر، إذا بدأ كل منا بنفسه وبأسرته ومحيطه، الذي يسكن فيه ويعمل به، إذا أردنا إرادة حقيقية عملية بناءة، لا إرادة الأغاني التي يشدو بها مطربونا في المناسبات المختلفة، نعم نقدر إذا أضحى انتماء كل منا وولاؤه وعشقه واحترامه لوطنه وإيمانه به، روحًا ودمًا يسريان في جسده، وما دول اليابان وسنغافورة وماليزيا منا ببعيد، فمن كيانات فقيرة معدمة إلى نمور اقتصادية عملاقة ملء السمع والأبصار.

مصر - ولا يخفى على أحـدٍ - يتربصٌ بها أعداء كُثر، وإذا أردنا النصر عليهم، فعلينا الجد والاجتهاد بضمير وإتقانٍ، وإذا أردنا تشييد وإعادة بناء أعمدة هذا الوطن، وتحقق مفهوم المواطنة التي يدعى إليها ليل نهار، فلا بد أن نعي أن أثمن استثمار وأفضله ما يكون في الأجيال القادمة - أطفالنا وشبابنا - لبنات بناء مصرنا الحقيقية، لنتكامل فيما بيننا، نعلى قيم الإنسانية المشتركة وفقه الحوار بين الجميع، نتخلى وندفع الصراع والتعاند إلى غير رجعة فيما بيننا، فإذا ما غرس فيهم ذلك، نُشِّئوا على تنمية وطنهم وعمارته تنمية اقتصادية تثمر تحقيق رخاء مادي وروحي للفرد ولمجتمعه.

فلتكن ذكرى أكتوبر لنا حاضرة ملهمة في الثقة بنصر الله – عز وجل – ولنخطط التخطيط الجيّد لمعركة البناء والتنمية، تسليحًا، وإعدادًا، وتدريبًا، خلقيًا، وسلوكيًا، وعلميًا، واقتصاديًا، ولننتبه ونحذر الأعداء الجدد وحربهم الأشد فتكًا بنا ووطننا، بالشائعات والفتن وضرب التلاحم الإنساني المصري، ولا بد لفكرنا وعقلنا الجمعي أن يكون متجددًا، ناميًا، متطورًا، إذا أردنا إحسان التعامل مع الحياة الإنسانية الكريمة لمصرنا، ولنعلم علم اليقين أنه أصبح لا مناص لنا إلا خيار التجديد ونفض الغبار الذي تراكم على عقلية الكثيرين منا.

تحية إعزاز وإجلال وإكبار لرجال جيشنا العظيم وشهدائه الأبرار، ولكل رجال جيشنا المبارك في عيدهم وعيد مصر كلها، داعيًا المولى – عز وجل - أن يحفظهم ويرعاهم ومصرنا الحبيبة وشعبها الكريم، وأن يديم على قواتنا المسلحة درعها وسيفها شامخين أبدًا ودومًا.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
المعذرة العملية لله ورسوله

المعذرة العملية لله ورسوله

ملتقى القاهرة الدولي الخامس للخط العربي

بادئ ذي بدء، أسجل عشقي وهيامي بفن الخط العربي كفن إسلامي أصيل يأخذ بالأفئدة والألباب قبل أخذ الأبصار، ذلك أنه حاضن رئيس لوعاء هويتنا العربية والإسلامية

عمارة.. ونشر علمه وفكره

عمارة.. ونشر علمه وفكره

صناعة التطرف والعنف .. بفيلم كارتون

أثار انتباهي هذا التقرير المنشور للزميلة إيمان عباس بـ"بوابة الأهرام" تحت عنوان (صناعة التطرف والعنف تبدأ بـ"قصة وفيلم كارتون".. والبرلمان يفتح الملف)،

تعلموا الحب الحقيقي

لا حديث الأمس واليوم وغدًا، يسيطر على عقول الكثير منا، إلا الحديث عن "عيد الحب"، "الفلانتين" والترتيب لإحياء ذكراه، لينعم فيه كل محب بحبيبه - حالمًا وواهمًا

القاهرة عاصمة للثقافة الإسلامية

في خبر سار يضاهي واقع ومكانة قاهرتنا وتاريخها الإسلامي التليد، أعلن في التاسع عشر من الشهر الماضي - وعبر المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو"-

الطيب.. والخشت.. وأهل الفتن

الطيب.. والخشت.. وأهل الفتن

الليبرالية .. التخلص من قيود السلطات الثلاث

الليبرالية .. التخلص من قيود السلطات الثلاث

حضارة نبينا.. نموذج عملي لحياتنا

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وقلم الظفر، ونتف الآباط

متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟

عطفًا على حديثي بمقالي السابق "هذا هو الإسلام"، الذي تحدثت فيه عن حملة وزارة الأوقاف العالمية الدعوية "هذا هو الإسلام"، التي أطلقتها لهذا العام بأكثر من

هذا هو الإسلام

جميل، وبديع، ومثمن، صنيع وزارة الأوقاف حين أطلقت حملتها العالمية الدعوية لهذا العام "هذا هو الإسلام" بأكثر من عشرين لغة، بيانا لصحيح الإسلام للدنيا بأسرها،