على الواتس آب جروب ضخم اسمه "هوانم وبشوات" يضم عددا كبيرا من نجوم المجتمع ولا تثريب عليهم؛ فهم مجموعة جميلة من المصريين جذبهم اسم الجروب ومنح كلا منهم لقبا يتحرك به في المجتمع، بالرغم من إلغاء تلك الألقاب رسميا ففي ٣ أغسطس عام ١٩٥٢ أعلن مجلس قيادة الثورة إلغاء الرتب والألقاب، وكان الهدف المعلن هو تحقيق المساواة بين المصريين.
و بعد مرور ٦٧ عاما، لن تجد سوى فوضى عارمة، فالجميع أصبحوا باشوات وبكوات وهوانم وأصحاب معالي، ويظل أكثر ما يثير الأسى عندما يستخدم التليفزيون الرسمي لقب صاحب المعالي والسعادة والفخامة، وهو يتحدث عن وزير أو غفير، برغم أن الألقاب ملغاة رسميا. فضلا عن الألقاب العلمية التي تعطى بدون وجه حق؛ خاصة لقب الدكتور المرتبط بالحصول على درجة الدكتوراه، ولا علاقة له بالمرة بالتخرج من كليات الطب والصيدلة، ثم الإسراف الذي يصل لدرجة النصب والابتزاز فيما يسمى بسفراء النوايا الحسنة، وبما أن الحال أصبح هكذا لماذا لا يتم إعادة منح الألقاب مرة أخرى، لمن يدفع وهم كثر؛ خاصة أن الشارع راح يمنح هو الآخر ألقابا لتجميل القبح فالشاب الفاسد الآن اسمه روش طحن، والحرامي اسمه شاطر، ومن يكسر الإشارة و يسوق عكس الاتجاه اسمه جريء، والمختلس فهلوي، ورئيس العصابة اسمه الكبير والعاطل اسمه غلبان..
ومن يعمل بجد بدون ضجيج عبيط، ومن يعطف على الغلابة أهبل، ومن يصل في موعده يقولون عنه (ملحوء)، والمهتم بنفسه محسوك والمؤدبة تنكة، ومأساتنا ليست في إطلاق الألقاب فقط، ولكن في إطلاق الشعارات وتصديقها، وخذ مثلا إطلاق منتخب_الساجدين على فريق الناشئين لكرة اليد الفائز بكأس العالم، والحقيقه أن المصطلح مستفز وطائفي؛ لأن "المنتخب" لم يفز لأنه ساجد أو عابد.. وإنما لأنه جد واجتهد فقط لا غير .. فالسجود والتصليب وكل شارات "التطرف الديني" في الملاعب وغيرها لا تخلق نجاحا أو تميزا، فضلا عن أن "التدين" لا علاقة له أبدا بأسباب النجاح والتفوق، سواء كان في الرياضه أو غيرها، ولننظر إلى الدول الإسلامية التي تصلي وتتعبد ليلا ونهارا والدول الأوروبية العلمانية على سبيل المثال.. أيهما يفوز دوما بالبطولات الرياضية؟ والمهم أننا نسرف دوما في إطلاق أوصاف غير صحيحة ومع تكرارها تصبح شبه حقائق، ونصدق أي أوصاف مهما كانت غير حقيقية، فأحلام مستغانمي هاجمت الرجل وحذرت النساء منه في رواياتها، ولكنها تزوجت 4 مرات.
والمتنبي قال عن نفسه: "الخيل والليل والبيداء تعرفني ** والسيف والرمح والقرطاس والقلم".. ولكنه كان أجبن من أن يرفع سيفه لمواجهة قاتله، وديل كارنيجي الذي ألف "دع القلق وابدأ حياتك" الشهير.. مات منتحرا، وماتت الحياة السياسية فى مصر عندما تحولت الأحزاب إلى جمعيات خيرية، وتحول النواب إلى أصحاب واجب فى المآتم والأفراح والعقيقة والطهور .
ولهذا ليس من قبيل الصدفة أن تقدم الدراما على مدار ١٥ سنة شخصية رجل الأعمال الفاسد ورجل الشرطة المفتري والمدرس المهزوم والموظف المرتشي والطبيب الفاقد لإنسانيته والفنان اللعوب ورجل الدين النهم والصحفي الوصولي وسيدة البيت النكدية.
وكانت هذه الصور هى التى فُرضت على واقعنا، فرحنا نهرب منها بإطلاق أوصاف وشعارات ووظائف غير حقيقية.