أين الحقيقة، والمصداقية، في موضوع التراث السينمائي الذي يمتد لأكثر من 120عامًا، ويعتبر ثاني أهم أرشيف عالمي من حيث تاريخ عرض أول فيلم سينمائي بقاعة عرض جماهيرية.
قبل عشرة أعوام كانت هناك مشاورات ودراسات مقدمة لإنشاء "سينماتيك" يشرف عليه المركز القومي للسينما، ليضم جميع نسخ الأفلام المصرية التي تم إنتاجها على مدار نحو قرن وربع من الزمان، بالإضافة إلى الآلات التي كانت تستخدم في التصوير مع صور للأفيشات وفوتوغرافية الأفلام، وكل ما تم تقديمه سينمائيًا وتليفزيونيًا وإذاعيًا، وحتى الآن لم تظهر أي بوادر على أرض الواقع.
وقبل أيام معدودة كان هناك لقاء جمعني مع كوادر سينمائية كبيرة وشابة، شكلوا بعضًا من تاريخ السينما المفقود، ويحتفظون بذكريات ملموسة من هذا التاريخ، وعندما طالبتهم بعرض تلك الذكريات والوثائق التي أصبحت تهم السينمائيين في العالم وليس مصر فحسب، كانت صدمة الإجابة، والتي تمثلت في أنهم عندما يقومون بعرض ما لديهم على العامة أو حتى في أي مهرجان داخلي أو خارجي يتعرضون لفقدها!
وعندما تساءلت عن السبب كانت المفاجأة، والتي تمثلت في أن للمركز القومي للسينما حق الاستيلاء على تلك الوثائق واستغلالها أيضًا دون الرجوع لصاحبها، وفي حالة مطالبة صاحبها بعرضها يجب عليه الحصول على موافقة من المركز القومي للسينما، الذي تناسى الجزء الأكبر من التاريخ السينمائي من قبل، ولم يتدخل عندما قامت أكبر شركتين عربيتين بشراء أصول أهم الأفلام التاريخية، على الرغم من أنها تشكل الجزء الأكبر من التاريخ السينمائي المصري.
وللتوضيح بشكل أكثر، قال لي ناقد سينمائي شاب مهتم بعمل أرشيف خاص له يضم الأفيشات الأصلية للأفلام المصرية: "كيف لي أن أقدم مجهودي وعملي على مدار أكثر من خمسة عشر عامًا لغيري، وخصوصًا أنني حصلت على معظم الأفيشات النادرة بعد رحلات من البحث امتدت لمعظم الدول العربية التي كانت تعرض تلك الأفلام، والتي ذهبت إليها واستطعت الحصول عليها بمقابل مادي كبير مع مجهود دؤوب لم ينقطع، ومن أجل ذلك لا أريد التفريط فيه لأي أحد، وفي نفس الوقت على استعداد لتقديمه بالمجان بأي معرض محدد الزمن داخل مصر أو خارجها، ولكن لن أتنازل عنه بأي شكل حتى إذا كان بمقابل مادي، ولكن من الممكن أن أمنح نسخًا مقلدة منه للأرشيف السينمائي المصري، وبعد كل ذلك أرفض الاستحواذ على مجهود الآخرين، وعلى ذكريات من صنعوا ذلك التاريخ.
ومن جهة أخرى يقول مصور سينمائي قضى أكثر من نصف قرن في العمل السينمائي، كيف يستحوذ المركز القومي للسينما على كل التراث السينمائي الذي مضى عليه خمسون عامًا، وخصوصًا أن من يحافظ أو يمتلك مثل ذلك على مدار نصف قرن لن يريد أن يتنازل عنه أو يتعاقد على بيعه، فالهويات لا تباع في أغلب الأحيان.
وفِي نفس الموضوع يتساءل منتج سينمائي - قضى عمره داخل أستوديوهات السينما- "كيف يكون للمركز القومي للسينما الحق في توثيق المحتوى وتسجيله باسمه دون التعرض للحقوق الأدبية لأصحاب التراث؟ وكيف يكون له الحق في استغلاله للصالح العام وللأغراض الثقافية، دون الرجوع لصاحبه، ويكون تسجيل الأعمال باسم المركز القومي للسينما دون غيره؟ حتى يتم إدراجه واعتماده كتراث سينمائي، كما كيف يكون للمركز الحق في نسخ المحتوى رقميًا واستغلاله في كافة أوجه الأغراض الثقافية دون حاجة لإذن من صاحب الحقوق.
وبناءً على ما سبق، نتساءل عن صحة هذا الكلام؟ أما إذا كان هذا صحيحًا فنستطيع أن نؤكد أن التراث السينمائي في مهب الريح، وذلك ما قاله المخرج الراحل محمد كامل القليوبي؛ عندما وجد أن الشركات غير المصرية تقوم بشراء أصول الأفلام القديمة دون اعتراض.