أحيانًا لا يطاوعني قلمي في الكتابة، خاصة وأننا قد تعاهدنا منذ أن تصاحبنا، وتآلفنا أن يصدقني التعبير، وأن يكون ضميري فيما أكتبه؛ لأنني من الذين يؤمنون بأهمية الكلمة، وأنها تبني وتهدم وترفع وتخفض، وأن الكلمة إيمان، وهى للشرفاء عنوان، وأن الله سبحانه وتعالى أقسم بالقلم، عندما قال رب العزة: " ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ" وإنه قسم لو تعلمون عظيم.
قلمي وأنا توحدنا في إيماننا واتخذنا قول رسول الله "صلى الله عليه وسلم" «من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليقل خيرًا أو ليصمت" ومن يومها لا نقول إلا ما ينفع الناس، لا نعرف الرياء أو التضليل، ولم يسجد قلمي إلا لوجه الله سبحانه وتعالى، نكتب لله والوطن إيمانًا بدور القلم وحبًا في مصر وشعبها العظيم.
مصر التي للأسف يتاجر بآمال وآلام الناس فيها حفنة من لصوص الأوطان، الذين عميت بصيرتهم وغابت ضمائرهم، مصر الغنية بأبناء البلد الحقيقيين المخلصين أصحاب الضمائر اليقظة، الذين تعلموا العطاء دونما انتظار لشكر أو تسليط الأضواء عليهم، ومن هؤلاء العميد "حاتم صفوت الخشت" مأمور قسم شرطة أول أسيوط ـ الذي ورد إليه بلاغ باندلاع حريق هائل في حضانة الشابات المسلمات، المكونة من ثلاثة أدوار، فركب سيارته مسرعًا إلى مكان الحريق، فعرف أن المبنى الذي التهمت النيران كل مكان فيه به أكثر من 95 طفلًا ما بين سن 8 شهور وأربع سنوات، تحيط بهم النيران من كل جانب، رأى الهلع يسيطر على الأهالي والخوف على حياة أطفالهم يشل حركاتهم فزعًا من ألسنة اللهب.
بدون تردد وبدون تفكير اقتحم الحضانة بنفسه وسط النيران والدخان والرؤية المنعدمة، انطلق داخل المبنى يحركه صوت بكاء الأطفال وصراخهم، وهم يستنجدون بأهاليهم، لم يسمع سوى صوتهم الشاحب الواهن: "الحقيني يا ماما أو الحقني يا بابا".
بروح الأب قبل روح الشرطي اقتحم المكان بشجاعة، لم تمنعه ألسنة اللهب المشتعلة من البحث عن الأطفال، لم يلتفت إلى النيرات التي أحرقت ملابسه، ولا الدخان الذي كاد يقضي عليه، ظل يتجول بين الطوابق الثلاثة ينقذ طفلًا وراء الآخر، ويخرج بهم إلى مكان الأمان، حتى أنقذهم جميعًا هو وثلاثة من الشباب أولاد البلد "الجدعان".. أنقذوهم من وسط النيران التى دمرت الحضانة عن بكرة أبيها.
ثلاثة أدوار من النيران المشتعلة لم تمنع هذا الرجل عن أداء واجبه الأبوي قبل واجبه الخدمي، لم يقف ينتظر أوامر من ضابط أعلى أو يتشاور مع الرؤساء، ولم ينتظر الإمدادات؛ بل راح يؤدي واجبه بكل همة ورجولة وشهامة، لم يهدأ إلا بعد أن اطمأن على سلامة كل الأطفال، وساعتها فقط بدأ يشعر بلهيب الحروق التي أصابت الكثير من أجزاء جسمه، والدخان الذي ملأ رئتيه، فسقط مغشيًا عليه ونقلوه للمستشفى للعلاج بعد أن سطر ملحمة حب لمصر، ولم تهزمه نيران الإهمال التى اشتعلت بالحضانة.
هو مثل للمصري الحقيقي، وللكثيرين من أبناء مصر، أصحاب المعدن الأصيل، حقًا هم أناس من ذهب، وهم وأمثالهم يجعلونني أفتخر بمصر وأقول أنها بلد "فيها حاجة حلوة".
ولكن هناك من يسيئون إلى هذه الصورة الجميلة ويحاولون عامدين أو بجهل وتقصير منهم أن يشوهوا وينالوا من سمعة مصر، بتصرفاتهم الحمقاء، وعدم انتمائهم الحقيقي لبلدهم، وإنما كل منهم يعمل لمصلحته الذاتية، ومن أجل زيادة أرصدتهم فى البنوك، ولا يعملون لصالح مصر أو من أجل صيانة كرامة المصريين، وأن يحققوا لهم مطالب العيش والحرية والكرامة، وهؤلاء للأسف أصبحوا كثر.
منهم من يتولون مناصب ومسئوليات كبيرة، ولكنهم لا يقومون بواجبهم، وللأسف يطبقون الخطط الأجنبية التي لا تتناسب معنا؛ بل تؤدي إلى تدمير مستقبل مصر وقيم مجتمعنا الأصيلة، ونشر الرذيلة والفحشاء، والتصرفات والسلوك الشاذ بين أطفالنا وشبابنا، وهناك الكثير من الوقائع التى تؤكد ذلك.
من بينها بعض المسلسلات والبرامج الأجنبية - التي تقدمها بعض القنوات - التي لا تراعي القيم الشرقية أو الإسلامية، وتنشر أفكارًا هدامة، تحض على الإباحية والزواج المثلي، ناهيك على العري، وأيضًا تعلي من شأن اليهود وتحقر من المسلمين والعرب، كما هناك بعض القنوات موجهة للأطفال، وهذه حدث عنها ولا حرج، فهي تخرب كل القيم، وتكسر كل القواعد، ولا تقدم إلا ما يخرِّج جيل مشوه بلا قيم وبلا أخلاق.
طبعًا المسئول عن ذلك في المقام الأول هم من يسيرون شئون هذه القنوات، وللأسف بينهم مصريون، ولكنهم يكرهون وطنهم ويعملون مقابل ملايين تلك القنوات ذات الفكر الأمريكي، وهنا نقول إن ذلك مسئولية الهيئة الوطنية للإعلام.
مثل آخر لغياب الضمير وانعدام المسئولية عند البعض، ومنهم المسئولون عن جهاز حماية المستهلك، وإدارة الرقابة على المصنفات الفنية، فقد انتشرت في الأسواق سيديهات لأنواع من ألعاب الفيديو أقل ما يقال عنها إنها تفسد الأطفال والشباب، وتقضي على القيم عندهم وتدمرها، ولا يقل خطرها عن خطر الفضائيات المشبوهة، فقد رأيت مؤخرًا مجموعة من الأطفال يلعبون على أجهزة" البلاي ستيشن" بـ"سي دي" يحتوي على لعبة تمجد اللصوص، وتجعل منهم أبطالًا باسم (جراند ثفت أوتو 5)، في هذه اللعبة يتقمص الأطفال شخصية مجرم يرتكب كل أنواع الجرائم من سرقة ونهب وقتل؛ بل وتظهره دائمًا بمظهر المنتصر، حيث يفوز في معاركه ضد الشرطة، ويقتل كل من يتصدى له... أين جهاز حماية البيئة؟ وأين الرقابة على المصنفات الفنية؟ وأين الآباء والأمهات؟!!.. لك الله يا مصر!!
[email protected]