نشرت عدة مواقع خبرًا عن بلدية تيتشينو الناطقة باللغة الإيطالية في سويسرا أنها تعرض منازل للبيع، مقابل فرنك سويسري واحد.. لماذا وكيف يفعلون هذا؟! وهل هناك خدعة ما في الأمر؟!
لا، ليست خدعة.. ولكنه الوضوح الذي من كثرته أحيانًا لا نراه.. وضوح التخطيط ووضوح الهدف.. والهدف شبه معروف هو إعادة إعمار المدينة التي ماتت، وإعادة جذب السكان إليها بعدما تركها أهلها.
والأمر الواضح أنه لن يقتصر على فرنك واحد أو يورو واحد، فعليك أن تعيد بناء المنزل كاملاً، بما يتفق مع القوانين المحلية للمدينة.
وضع خطًا تحت جملة "بما يتفق مع القوانين المحلية".. لأنه على الدوام لا بناء إلا وفقًا للقانون .. فلا يصح مثلًا أن تعطيني المنازل القديمة بيورو فأحولها إلى برج 11 دورًا، وأضع في كل دور 5 شقق، وكل شقة تبث سمومها على شبكة الصرف الضيقة غير المجهزة.. فتتحول المدينة الهادئة أو الجميلة أو الساحرة أو الأثرية إلى مدينة عشوائيات في أقل من عام واحد.. ويكون كل ذلك للأسف الشديد تحت مبدأ "الإعمار".
ولكن القوانين تحدد نوع البناء وشكله وطوله ولونه.. فلا اختراعات ولا لف ولا دوران.. ولا محسوبية ولا هدم وبناء أبراج.. وعليك في النهاية أن تلتزم بقوانين البناء في القرية أو البلدة.. ووفقًا للخبر.. يمكنك شراء المنزل بيورو واحد، ولكن يتعين عليك إنفاق 25 ألف يورو من أجل إعادة بناء المنزل كاملًا قبل دخول الخريف المقبل (أي خلال 9 أشهر من الآن).
فكرة بيع المنازل القديمة المتهالكة التي هجرها أهلها تتكرر بصورة أخرى في مدن مختلفة في أوروبا.. ففي عام 2015 فكر الإيطالي إيفيسيو أرباو عمدة بلدة أولولاي في جزيرة سردينيا، في إطلاق حملة "بيوت بـ1 يورو".
وشمل العرض 200 منزل حجري مهجور بحسب صحيفة "ديلي ميل" البريطانية.. بعدما لاحظ العمدة انخفاض نسبة المواليد في بلدته، حيث لم يتبق فيها إلا 1300 نسمة فقط، مما دفعه إلى مبدأ تعمير البيوت غير المأهولة.
وكانت فكرته أن يلتزم المشتري بتجديد المنزل الذي يشتريه، فجميع البيوت في حال يرثى لها، وذلك في حدود مدة لا تتجاوز 3 سنوات وبتكلفة 30 ألف يورو، وبعد مرور 5 سنوات يمكنه أن يبيع البيت.
ويقول أرباو: "تهدف حملتي إلى إنقاذ تقاليدنا الفريدة من الاندثار، إن فخرنا بماضينا هو مصدر قوتنا، فلقد كنا دومًا أناسًا عتيدين، ولن نسمح لبلدتنا بأن تموت".
"اليورو الواحد" و"التقاليد الفريدة التي يخشى عليها من الاندثار" فكرتني بتحقيق للزميل محمود الدسوقي في "بوابة الأهرام" عن قصر الأمير يوسف كمال بنجع حمادي، الذي تم تأجيره لأحد المواطنين بمبلغ جنيه فقط، منذ ستينيات القرن الماضي.. واستردته الدولة مؤخرًا وبدأت إجراءات ترميمه وإعادته للحياة.
ولا مجال للمقارنة، ولا أرغب فيها.. ولكن أن تأتي متأخرًا أفضل من ألا تأتي.
وما طبقته سويسرا وإيطاليا، وأعتقد أيضًا أن إسبانيا حذت حذوهما هي الأخرى، هو أمر نعرفه جيدًا في الشريعة الإسلامية عن الأرض الميتة التي يمكن أن نحييها.
فقد ورد عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في مسند داود أنه قال: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ».. وإن اشترط الفقهاء أن تكون الأرض لا تخُصُّ أحدًا من الناس؛ كالأرض التي في الصحاري وليس بها عمران أو زراعة.. أي لا تشبه المنازل غير المأهولة في إيطاليا وسويسرا وإسبانيا.
وقد اشترط الشيخ الإمام أبو حنيفة الحصول على إذن الإمام قبل الإحياء، حتى لا يتصارع الناس فيما بينهم.. وهو شرط في منتهى الذكاء - سابق لعصره - حيث يتوافق الآن مع العصر الحديث.
ولأن الصحاري عندنا كثيرة؛ فيمكننا تطبيق التجربة عليها.. بجنيه واحد يمكننا البناء والتعمير، مع قيام صاحب الأرض بتكفل البناء، وفقًا لشروط المدينة الجديدة؛ من حيث الارتفاع واللون والمساحة والتصميم.
تويتر: @tantawipress