Close ad

إعادة تأسيس البنية الأساسية للحياة السياسية

12-7-2019 | 22:02

كتب كثيرون من اليساريين تحت عنوان ثابت عدة دراسات ومقالات عن (أزمة اليسار المصري) كانت مجرد تبريرات لتشتتهم وفشلهم لعوامل خارجية، ولم يجرؤ أحد منهم على الاقتراب من خطايا التجارب الداخلية لهم، ويبدو أن الخلاف في الصراع على السلطة تحت غطاء الأيديولوجيا واحد لمعظم التيارات السياسية والفكرية؛ لأن كلًا منهم يرفض الآخر، ويريد أن يحكم بمفرده، وهو الفرقة الناجية، وكل الفرق الأخرى مثل اليسار والليبرالية والقومية فرق هالكة ضالة.

ولا يذكر كل طرف إلا التاريخ الأسود للطرف الآخر، من قتل وعنف وضيق أفق ورفض للآخر، ومشكلة اليسار أنهم يعيشون حالة تكلس أيديولوجي؛ فهؤلاء ينتمون إلى زمن لم يعد موجودًا إلا في رؤوسهم، يخوضون معارك وهمية لا أساس لها، وليس أدل على هذا الوهم من مطابقة روسيا الاتحادية اليوم مع الاتحاد السوفيتي في زمن الحرب الباردة، ومن بين أسباب أزمة اليسار المصري هو وجود يسار رسمي تابع للسلطة نشأ بقرار من السلطة (حزب التجمع)، ثم الصورة الذهنية لما روجه أعداء اليسار من عدم الإيمان بالأديان، وهو ما جعل البعض يخترع ما أسموه باليسار الإسلامي.

وثبت أيضًا عدم نجاحه على المستوى العملي؛ ومع ذلك فقد لامسته الأحزاب الإسلامية التقدمية في المغرب وتونس وتركيا وماليزيا وإندونيسيا، وأنشأت جماعة 15/21 في تونس جناحًا يساريًا في حزب النهضة.

ومازالت ترد خطابات عن الرغبة في تكوين حزب شيوعي إسلامي أو إسلامي شيوعي؛ وهو موجود في قلوب الناس، ويعبر عن رغبة الجماهير، وربما يحتاج الأمر إلى مزيد من الزمن حتى يتحول اليسار الإسلامي إلى حركة اجتماعية تؤثر في مسار التاريخ.

ولكن لايمكن تجاهل دور اليسار المصري في مقاومة المحتل الإنجليزي، تلك المقاومة التي لم تكتف بالكتابات القوية (بل والعنيفة) ضد الاستعمار البريطاني والأمريكي، وإنما أخذتْ المُـقاومة شكلًا عمليًا؛ عندما تطوّع المئات من شباب الشيوعيين وهاجموا معسكرت الإنجليز في منطقة العباسية، ثم ذهبوا إلى منطقة القنال للهجوم على المعسكرات الإنجليزية، ثم كان تتويج تلك المقاومة في يوم 8 أكتوبر1951 عندما ألغى مصطفي باشا النحاس (رئيس وزراء مصر) معاهدة 1936، ثمّ فتح فؤاد باشا سراج الدين (وزير الدخلية) مخازن السلاح التابعة لوزارته وإمداد الفدائيين بالأسلحة لمُحاربة جنود الاحتلال الإنجليزي.

كما لا يمكن تجاهل دور اليسار المصري من أجل رفع المستوي المعيشي للعمال والفلاحين وصغار الموظفين، سواء بالكتابة أو بتنظيم الإضرابات والاعتصامات داخل المصانع، وكذلك المُـطالبة بتكوين اتحاد عام للنقابات العمالية، وكذلك موقفهم الرائع عندما نظــّموا مع الطلبة الاحتجاج الشهير في مارس1946، وهو الاحتجاج الذي أخذ اسم (اتحاد الطلبة والعمال) وكانت سكرتيرته الفتاة اليسارية لطيفة الزيات والتي أصبحتْ أديبة وكاتبة مشهورة. كما لا يستطيع أي منصف إنكار اعتقال الشيوعيين في العهديْن الملكي والناصري، ولا الأدوار الوطنية التي لعبها حزب التجمع في كل المناسبات المصرية، وكان في كثير من تلك المواقف يمثل ضمير الشارع وصوت من لا صوت لهم؛ وخاصة لقادة وقيادات التجمع من خالد محيي الدين لرفعت السعيد لإسماعيل صبري عبدالله لحسين عبد الرازق لصلاح عيسي وصولا لرئيس الحزب الحالي سيد عبدالعال، وبرغم كل مايقال عن اليسار فسوف تظل مظلة حزب التجمع لليسار المصري بكافة طوائفه هي الصيغة المناسبة في الوقت الراهن للم شمل اليسار؛ أملا في أن يفعل حزب الوفد الأمر نفسه مع التيار الليبرالي؛ انتظارًا لمولد حزب السلطة أو الأغلبية من رحم الانتخابات المقبلة للبرلمان ومجلس الشيوخ والمحليات.

هذا إذا كنا جادين في إعادة تأسيس البنية الأساسية للحياة السياسية في هذا البلد؛ بشرط صياغة برامج جديدة لقضايا المجتمع، بعيدًا عن ترديد الشعارات القديمة التي عفا عليها الزمن.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مصر الغريبة بأسمائها

الزائر لمصر لأول مرة لن يصدق أنه في بلد عربي لغته العربية فمعظم الأسماء للمحال والشوارع والمنتجعات، بل الأشخاص ليس لها علاقة باللغة العربية وباتت القاهرة

مصر تخطت الفترة الانتقالية

جاء حين على مصر كانت شبه دولة عندما تعرضت لهزة عنيفة ومحنة سياسية واقتصادية قاسية، عقب ثورتين تخللتهما موجات إرهابية تصاعدت فى ظل غياب وانهيار لمؤسسات

ثوار ما بعد الثورة

لابد من الاعتراف بأن كل ما في مصر الآن نتيجة مباشرة لأحداث ٢٥ يناير بحلوه ومره، فأي إصلاح هو ثمرة مباشرة لشجاعة ووعي ودماء شرفاء سالت لتحقق حلم الأمة في