الحضارة الرومانية (15)
يجد التشريع المائى الإسبانى أصوله - إلى حد كبير - فى مبادئ القانون الروماني، مع تأثره الواضح بالتشريع الإسلامي فى إقليم جنوب إسبانيا، وبخاصة فيما يتعلق باستخدامات الرى، ويعد التشريع الإسبانى فاعلاً أساسيًا فى جميع التطورات التى لحقت بالقوانين فى جميع بلدان أمريكا اللاتينية.
ومما تجدر الإشارة إليه أنه فى 4 مايو 1493 أصدر البابا Alexander VI فرمانًا يمنح الملوك الكاثوليك الحق فى جميع الأراضى حديثة الاكتشاف، شاملة فى ذلك ما تحويه من مياه، وبذلك أصبح حق استخدام المياه مقترنًا بترخيص يصدر مباشرة من الملك، أما تشريعات جزر الهند التى أعلنتها إسبانيا فى عام 1550 لمستعمراتها الواقعة فى القارة الأمريكية، فقد كانت تتكون من المبادئ القانونية الإسبانية القديمة والأعراف المحلية، بعد تعديلها بما يتوافق مع احتياجات تلك المستعمرات.
وقد ربطت المبادئ القانونية الإسبانية القديمة التى نجدها فيما يعرف بـ siete partidas حق استخدام المياه بالمجتمع نفسه، فنجد المادة 28 من القانون رقم 6 (partidas no.3 ) وقد نصت على أن الأنهار والموانى والطرق العامة تعد ملكية مشتركة للناس جميعًا، وبالتالى أصبح من حق أى شخص حتى لو كان أجنبيًا، أن يستخدم المياه، مثله فى ذلك مثل جميع السكان المحليين، وحيث إن تلك المنافع المشتركة كانت تنسب إلى التاج الملكى، فقد كانت ملكيتها ثابتة لأمير المقاطعة بوصفه ممثلًا للملك، وكان من نتائج سيادة مفهوم اعتبار المياه ثروات مشتركة، أنه لا يجوز التصرف فيها بالبيع أو غيره من التصرفات.
وقد شهدت أقاليم جنوب ووسط أمريكا خلال تلك الفترات، سيادة مفهوم الملكية المشتركة فى كل المجالات، وأظهرت بعض الدراسات الحديثة أن المجتمعات فى أمريكا الوسطى كانت تقوم على فكرة العشيرة أو مجموعات الأفراد التى تنتمي إلى الجذور العرقية نفسها، فيكون لهم حقوق جماعية فى الأرض، فانعكس ذلك بوضوح على الزراعة، حيث كان يفرض على الجميع الاستخدام الجماعى للمياه، بناء على مبدأ الاستخدام الجماعي للأرض.
وقد نص القانون رقم 11 / المادة رقم 17 / الكتاب الرابع، الذي صدر في عهد الإمبراطور كارلوس فى 20 نوفمبر 1536 لتنظيم شئون الرى، نص على أن المياه تعد منفعة مشتركة يجب توزيعها على رعايا المجتمع بصرف النظر عن جنسيتهم، مع الاحتفاظ بحق الملكية للتاج الملكي، على أن تتولى السلطات الإسبانية حق الإدارة كممثل للمجتمع، ولم يكن حق اكتساب حقوق المياه بالتقادم متصورًا حينئذ، حيث كان مفهوم الاستخدام الفردى لا يتوافق إطلاقًا مع مصالح المجتمع، وكانت الغرامة هي العقوبة المقررة لاغتصاب حقوق التراخيص الممنوحة للغير.