Close ad

الدراما التركية تتسرب إلى السياسة

2-6-2019 | 00:38

يجيد ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي أردوغان العربية بطلاقة، وفي وقت ما قدم برنامجًا على قناة TRT العربية، وهو دارس لعلم الاجتماع وكاتب صحفي، وكفاءته في الحقيقة هي في اندماجه التام في الفكرة الأردوغانية توجهًا وخطابًا، لدرجة تساءلت معها من الذي أثر في الثاني؛ فكم المغالطات والتشويه والتعالي في خطاب الرئيس ومستشاره لا يمكن أن يقود إلى شيء سوى إثارة الفوضى ومحاولة جذب الشارع، والشارع المستهدف هنا هو الشارع العربي الإسلامي العريض، والشارع دائمًا على استعداد لتقبل مغالطات بأي كمية ونوعية طالما تحقق رغباته وتلمس معتقداته، ولا ينشغل الشارع كثيرًا بالبحث والتحري.

أقطاي المعلق على كل حدث في مصر بعد أن أصبحت تعليقات أردوغان على الحدث المصري موسمية، هو نفسه الذي أراد أن يحول الانتباه عن قمة مكة المكرمة أو يبعد منظميها عن الاقتراب من تركيا بأي حال من الأحوال، وهي الحاضنة لجماعة الإخوان والمنبر المثالي لخطابها التحريضي؛ فأعد سيناريو على طريقة الدراما التركية المدبلجة بأن أرسل عشية القمة خطابًا مفتوحًا إلى العاهل السعودي الملك سلمان يحمله مسئولية "أي معاناة يعانيها أي مسلم على وجه الأرض".

فكرة الخلافة ما زالت تناوش الرئيس أردوغان؛ هو الذي قال عن نفسه إنه وريث الإمبراطورية العثمانية، فالملك سلمان ليس مسئولا عن معاناة مسلم ما في أي بلد، ومسئولية كل مسلم هي من صميم اختصاصات حكومة دولته، والثروة في السعودية هي حق كامل لأهلها وعليهم إنفاقها في بلدهم، بعدها يمكن التفكير في مساعدة دول عربية أو إسلامية، وأظن أن هذا يحدث، لكن أقطاي لا ينسى أن لقب "خادم الحرمين" الذي يحمله العاهل السعودي منذ عهد الملك فهد وحتى الملك سلمان؛ كان من نصيب الخليفة العثماني قديمًا، واستعادة اللقب حلم أقطاي ورئيسه.

أما الحديث عن الجوع والفقر في العالم الإسلامي فهي أيضًا مسئولية تركيا التي استخدمت فوائضها الاقتصادية في تدمير بنيـة العالم العربي ليسقط بسهولة في فخ الخلافة مجددًا، وعن طريق وكلاء محليين هم جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتونس وليبيا وسوريا.

كانت تركيا قد دمرت العالم العربي في الخمسمائة عام التي حكم فيها آل عثمان، وعلى ثراء الإمبراطورية لم تجد الأستانة أي سبب لرفع معاناة المسلمين الذين كانوا يحكمونهم، ولا تعليمهم، ولا تمدينهم، لم يعطوا المسلمين في الأقطار التي خضعت للخلافة شيئا؛ بل سلبوهم حقوقهم، أموالهم، حرفييهم المهرة، علماءهم النابهين وقتلوا مفكريهم وأحرارهم، ولا أعرف أستاذًا جامعيًا واعيًا كأقطاي يكتب للملك سلمان هذه الجملة إلا إذا كان يعرف أنه يمارس التضليل من دون أن يرمش له جفن: "فالنعم والثروات العظيمة التي وهبكم الله إياها توفر لكم الإمكانات التي تمكنكم من تحمل هذه المسئولية على أكمل وجه"، ولم يسجل التاريخ أي تحمل للدولة العثمانية صاحبة الثروات العظيمة وقادتها أولياء النعم لمجاعات وفيضانات وأوبئة حلت بالأقطار الخاضعة لحكمها؛ بينما العمران والثروات تتكدس في عاصمة الخلافة.

لن استطرد طويلا في استدلالات تاريخية بالظلم العثماني والمآسي بسبب الأتراك بعد احتلال كل الأقطار العربية؛ على الرغم من أهمية التاريخ والوعي به والحذر من تكراره؛ لأنني أريد الانتقال إلى بقية الخطاب المكتوب بحبر المبالغات الدرامية التركية؛ من نوع "ربما يكون نجلكم ولي العهد لا يحمل مشاعر إيجابية تجاهي بسبب واقعة خاشقجي"، ولا أعرف هل من الضروري أن يحملها ولماذا؟

إن إقناع أنقرة للدوحة عقب المقاطعة العربية الرباعية بأن هناك غزوًا محتملاً لقطر والاندفاع بالقوات التركية لمساندة قطر في استعراض مريب هل يؤدي إلى مشاعر إيجابية بالضرورة، إن التدخل في الشئون الداخلية للسعودية ولمصر هل يؤدي إلى مشاعر إيجابية أيضًا ؟

إما أن أقطاي يعتبرنا أطفالا، أو أنه ما زال يعيش في الوهم العثماني؛ حيث مثل هذه الإشارات تكون بالضرورة فرمانات يطبقها الولاة، ثم يحذر أقطاي العاهل السعودي من "الفعل الذي أُعلن هذه الأيام أنكم ستفعلونه بأنفسكم، سيكون سببًا في كارثة كبيرة بالنسبة لكم"؛ ويشير إلى قضية تنظرها المحاكم ضد متطرفين إسلاميين.

أقطاي إذن يتحدث أو يبدو كمدافع عن الحريات في مصر والسعودية، مثل قناة الجزيرة التي تدافع عن الديمقراطية في كل مكان إلا قطر، يتغافل بشكل مثير للشفقة عن الحريات في تركيا، وباعتباره وطنيًا خالصًا كان يجب أن يرفع شعار "تركيا أولًا" وينظر في أزمات بلده ويرسل خطابًا مفتوحًا إلى أردوغان؛ فقمع الحريات في تركيا يتخذ كل ألوان الطيف ويتدرج من شيطنة الخصوم إلى السجن مدى الحياة، ويبدأ من ضرب المتظاهرين، واقتحام مقار وسائل الإعلام، وتزييف إرادة الناخبين وإعادة الانتخابات إذا لم يرض حزب العدالة والتنمية عن النتائج، إلى اتهام كل معارض بالتعاون مع الداعية الإسلامي فتح الله كولن.

ولا ينتهي بتدخل الرئيس أردوغان في أعمال القضاء وسبابه للمعارضة بأحط الألفاظ، وباعتبار أقطاي يكتب مقالاته في صحيفة "يني شفق"، لا أعرف عما إذا كان أزعجه إلغاء اعتماد 1954 صحفيًا تركيًا في الأعوام الثلاث الأخيرة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: