Close ad

المقر الدائم لعائلات المؤمنين

31-5-2019 | 20:00

في كل مرة يقرأ المرء القرآن يكتشف معاني جديدة، خاصة للمستبشرين، بعيدًا عن الترهيب والوعيد، فكلمة جهنم مثلا تكررت 77 مرة، وليس لهذه الكلمة مشتقات، ولكن كلمة (الجنة) تكررت 66 مرة، ومع مشتقاتها 147 مرة، أما كلمة (النار) مع مشتقاتها فقد تكررت 145 مرة.

أي أن ذكر الجنة أكثر من النار، ولقد ذكر الله تعالى الجنة وأوصافها مرارًا في القرآن الكريم، وذكر لها العديد من الأسماء في كل موضع، منها جنات الخلد، وجنات عدن، ودارالسلام، ودار المتقين، وجنّات الفردوس، ودار المُقامة، ومثال ذلك من القرآن الكريم قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ ۖ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)،وقال تعالى في ذكر اسم آخر للجنة: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا).

وأمّا عن جنات عدن فقال الله سبحانه: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ)، ولذلك فإنّ لفظ جنات عدن يشير إلى اسمٍ من أسماء الجنة التي ذكرها الله سبحانه في كتابه.

ومعنى لفظ عدن هو الإقامة، فجنات عدن هي جنات الإقامة والخلود، والتي جعلها الله تعالى مقرًّا لإقامة عباده المؤمنين وعائلاتهم الصالحين، وقال عَزَّ مِنْ قائل: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ﴾، ومقرها فوق السماء؛ فالله تعالى يقول في سورة النجم: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ)، وظاهر قول الله سبحانه أنّ الجنّات ليست على الأرض؛ بل فوق السماوات، ولقد ثبت في السنة النبوية أنّ سدرة المنتهى فوق السماء.

وكذلك ففي السنة الشريفة العديد من الأحاديث التي تصف الجنة تثبت أنّ الجنة فوق السماوات، ففي البخاري يقول النبي "صلى الله عليه وسلم": (إنَّ في الجنةِ مئةَ درجةٍ، أعدَّها اللهُ للمجاهدين في سبيلِه، كلُّ درجتيْنِ ما بينهما كما بين السماءِ والأرضِ، فإذا سألتم اللهَ فسلُوهُ الفردوسَ، فإنَّهُ أوسطُ الجنةِ، وأعلى الجنةِ، وفوقَه عرشُ الرحمنِ، ومنه تَفجَّرُ أنهارُ الجنةِ.

ولقد أورد ابن القيم في كتابه "حادي الأرواح" قولًا عن ابن عباس رضي الله عنه يقول فيه: الجنة في السماء السابعة، ويجعلها الله حيث شاء يوم القيامة، وجهنم في الأرض السابعة، كما روى ابن المنذر عن عبد الله أنّه قال: الجنة في السماء الرابعة، فإذا كان يوم القيامة جعلها الله حيث يشاء.

وأنواع الجنان سبعة هي: (المقام المحمود والنعيم والفردوس وعدن والخلد والمأوى والغرفة)، وأعلى الجنان جنة النعيم؛ لكن لماذا قال لنا عليه الصلاة والسلام إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ لأن هناك حدودنا، ولكل مسلم جنة حسب عمله، وهناك تفضيل في الجنان.

قال تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ )، وأعلى الجنان هي المقام المحمود، وهو محجوز لرسول الله محمد "صلى الله عليه وسلم" (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا)، أدنى من المقام المحمود، جنة النعيم، ويدخلها صنفان من عباد الله أولهم المقربون قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ والصنف الثاني الذي يدخلها عباد الله المخلصين قال تعالى: في سورة الصافات: (إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40)أُولَٰئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ ۖ وَهُم مُّكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ )، ومن المقربين مثلا عيسى "عليه السلام" قال تعالى: (إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)، ومن عباد الله المخلصين النبي يوسف "عليه السلام" { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}، وأبونا إبراهيم الخليل "عليه السلام" إذ طلب من الله جنة النعيم بالإسم؛ قال تعالى: (وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ).

والشيء العجيب في القرآن الكريم - وهذه رسالة يجب أن ننقلها للأديان الأخرى - ذلك أن كل إنسان غير مسلم ويسلم ويؤمن يدخله الله "جنة النعيم"؛ علمًا أن المسلمين يدخلون أدنى منها بقوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ)، وأدنى من جنة النعيم هناك "الغرفة"، ويجب على الإنسان أن يحقق 22 شرطًا كي يدخلها في سورة الأنعام عشرة شروط؛ قال تعالى: (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ….) إلى آخر الآية

وهناك 12 شرطًا وردت في سورة الفرقان قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) إلى آخر الآية، (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا).

بقي لدينا أربع جنان فردوس – عدن – الخلد – المأوى وللحصول على جنة الفردوس؛ وضع الله تعالى ستة شروط إذ قال في سورة المؤمنون (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

وأدنى من الفردوس جنات عدن يلتقي فيها كل أفراد الأسرة قال تعالى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ) وهناك اجتهادات تقول يكفي الإنسان أن يكون قلبه سليم حتى يدخل الجنة.

فإذا كانت الجنة جائزة الله سبحانه لعباده المؤمنين المستحقين للأجر والثواب، فإنّها لا شكّ تضاهي بعظمتها عظمة الخالق مالك الملك جل شأنه، وإنّ من يقف على أوصاف الجنّة وجمالها يكاد لا ينتهي من تعداد حسنها وبهائها؛ بل إنّها كما قال النبي "صلى الله عليه وسلم" عن الله عز وجل: (أعدَدتُ لعِبادي الصَّالحين ما لا عَينٌ رأَتْ، ولا أذُنٌ سمِعَت، ولا خطَر على قلْبِ بشَرٍ، ذُخرًا، بَلْهَ ما أُطْلِعْتُم عليه، ثمَّ قرَأ: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)،فكل ما يخطر على قلب الإنسان من تخيل لجمالها يظل أقل من حقيقتها حين يراها.

ولقد وصف الله تعالى حجم الجنات في كتابه الكريم فيقول: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)؛ وهذه الجنة التي هي بعرض السماء والأرض كل موضع سوط فيها خير من الدنيا وما فيها كما قال النبي "صلى الله عليه وسلم": (لرَوْحةٌ في سبيلِ اللهِ أو غَدوةٌ خيرٌ من الدُّنيا وما فيها، ولَقابُ قوْسِ أحدِكم من الجنَّةِ، أو موضعُ قيدٍ - يعني سوطَه - خيرٌ من الدُّنيا وما فيها)، فأهل الجنة تنضر وجوههم حين يدخلونها، ويجلسون فيها على منابر من ياقوت، ويسقون من رحيق مختوم، وتجري من تحتهم ومن خلفهم أنهار الخمر والعسل.

وقد تزينت الجنة بالحور العين الجميلات، لم يطمثهنّ قبلهم إنسٌ ولا جانّ، فالنبي "صلى الله عليه وسلم" قال: (ولو أنَّ امرأةً من أهلِ الجنَّةِ اطَّلعت إلى أهلِ الأرضِ لأضاءت ما بينهما، ولملأته ريحًا، ولنَصيفُها على رأسِها خيرٌ من الدُّنيا وما فيها).

وفي الجنة ينجو المؤمن من المرض والتعب والحزن والهمّ، فتجتمع عليه سلامة النفس وسلامة البدن، مع الأمن من الجوع والعطش والموت.

يقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا*خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا)، وتجتمع عليه ألوان السرور والفرح بالتقاء أهله وأحبّته، والأعظم من ذلك كله النعيم الذي يملأ المؤمنون إذا تجلاهم الله تعالى برحمته وفضله حين يرون وجهه سبحانه، يقول الله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ*إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)، وقد تكرر وعد الله تعالى لعباده أن يتمتعوا بالنظر إليه، حين قال: (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)،وقد فسّر العلماء لفظ المزيد بأنه النظر إلى وجه الله سبحانه، والنبي "صلى الله عليه وسلم" يؤكّد لأصحابه أنهم ناظرون في الجنة إلى وجه ربهم - جل وعلا - حين سأله أحد الصحابة عن ذلك فقال: (هل تُضَارُّونَ في رؤيةِ القمرِ ليلةَ البَدْرِ؟ قالوا: لا يا رسولَ اللهِ! قال: هل تُضَارُّونَ في الشمسِ ليس دونَها سَحَابٌ؟ قالوا: لا يا رسولَ اللهِ! قال فإنكم تَرَوْنَه كذلك).

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مصر الغريبة بأسمائها

الزائر لمصر لأول مرة لن يصدق أنه في بلد عربي لغته العربية فمعظم الأسماء للمحال والشوارع والمنتجعات، بل الأشخاص ليس لها علاقة باللغة العربية وباتت القاهرة

مصر تخطت الفترة الانتقالية

جاء حين على مصر كانت شبه دولة عندما تعرضت لهزة عنيفة ومحنة سياسية واقتصادية قاسية، عقب ثورتين تخللتهما موجات إرهابية تصاعدت فى ظل غياب وانهيار لمؤسسات

ثوار ما بعد الثورة

لابد من الاعتراف بأن كل ما في مصر الآن نتيجة مباشرة لأحداث ٢٥ يناير بحلوه ومره، فأي إصلاح هو ثمرة مباشرة لشجاعة ووعي ودماء شرفاء سالت لتحقق حلم الأمة في

الأكثر قراءة