فى شهر رمضان يجد المؤمن دافعاً للتّوبة عن المعاصى التى ارتكبها، ففى كلّ سنة يحلّ فيها شهر رمضان الفضيل يتجدد طريق التّوبة والتغيير في علاقة العبد مع الله.
فقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "إذا كانت أولُ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ صُفِّدَتِ الشياطينُ ومَرَدةُ الجنِّ، وغُلِّقتْ أبوابُ النارِ فلم يُفتَحْ منها بابٌ، وفُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ فلم يُغلَقْ منها بابٌ، ويُنادي منادٍ كلَّ ليلةٍ: يا باغيَ الخيرِ أقبلْ، ويا باغيَ الشرِّ أقْصرْ، وللهِ عتقاءُ من النارِ، وذلك كلَّ ليلةٍ)، ولذلك يكون من اليسير على المسلم أن يُقبِل على الله دون أيّ عوائق.
إن التوبة تعنى الرجوع إلى الله، بحلّ عُقدة الإصرار عن القلب، ثمّ القيام بكلّ حقوقه سبحانه وتعالى، والتائب هو من ترك السيِّئات والخطايا إرضاءً لربه، وتذكّر أن غاية وجوده هي رضاه واجتناب محارمه، ولم يكتفِ بترك المُحرَّمات بل حدّثته نفسه بقبيح ما فعل، فندِم وحزِن لما أصاب من محارم الله، وهذا هو أحد أوجه التّوبة التي أمرنا الله بأدائها حينما قال (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَـٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
ومن الأعمال التي يؤديها العبد في شهر رمضان، التهجّد وقيام ليلة القدر، فقد جاء عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (مَن قامَ رمضانَ إيماناً واحتِساباً، غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ مِن ذنبِهِ، ومَن قامَ ليلةَ القَدرِ إيماناً واحتِساباً، غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ)، وكذلك قراءة القرآن الكريم، فرمضان شهر القرآن لقوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ).
أما عن حُكم التّوبة فإن الإنسان يتقلّب بين الصّواب والخطأ، ومن ذلك قول رّسول الله: (كلُّ بني آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطّائين التوّابونَ)، فكلّ إنسان يقع في الزّلل، ويقترف الذّنوب، ويفعل المعاصي، ولكن درجة المعصية تتفاوت بين شخص وآخر؛ فقد تكون المعصية بالجوارح، وقد يهمّ الشخص بها في قلبه، وكذلك لا يخلو أيّ إنسانٍ من وساوس الشيطان، ولذلك فعلى المسلم أن يتخلّى عن ذلك بالتّوبة إلى الله، ولقد حثّ الرسول على التّوبة في كلّ يوم وفي كلّ حين، وجعل نفسه قدوةً للمسلمين في ذلك، فقال: (استغفروا ربّكم، إنّي أستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليه كلَّ يومٍ مائةَ مرّةٍ)؛ فالرّسول يتوب إلى الله، ويستغفره وقد غفر له ما تقدّم وما تأخّر من ذنبه، فكيف بالمسلم الخطّاء الذي يُذنب ويعصي الله، ومن الآيات التى تحث على التّوبة (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وأيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)، فالتّوبة واجبة على المسلم، فهي صفة المؤمنين الأخيار، وفي ذلك يقول القرطبي رحمه الله: (ولا خِلاف بين الأمّة في وجوب التوبة، والمعنى: وتوبوا إلى الله؛ فإنّكم لا تخلون من سهوٍ وتقصيرٍ في أداء حقوق الله -تعالى- فلا تتركوا التّوبة في كل حال).
وحتّى تكون التّوبة مقبولةً عند الله، فلا بُدّ أن تتّصف بصفات تشير إلى صدق التائب، ومن ذلك أن تكون نيّة التائب وقصده الله، لقوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)، والإقلاع الفعليّ عن إتيان المعصية، والنّدم على ما قدّم من أخطاء وذنوب، والعزم على عدم العودة إلى الخطأ الذي تاب عنه المرء.