Close ad

كيف نعالج فوضانا بلا صمت؟!

10-5-2019 | 01:45

حين راودتني فكرة هذا المقال بطرح هذا السؤال طريقا لحل أتمناه لإصلاح ذات البين لما أفسدته فوضانا المجتمعية وتغير سلوكياتنا رأسا على عقب، وكلنا يستشعر هذا ويراقبه في "صمت" بلا حراك إيجابي ولا نية حقيقية لانتشال مجتمعنا من هوة سحيقة لو تركت الفوضى تبرطع فيه فلا نجاة لنا منها بعد حين، فسوف تحكم قبضتها علينا بلا رجعة.

هنا قفزت رواية "أبناء الصمت" إلى ذاكرتي - فالشيء بالشيء يذكر- فأحداثها تتناول بعض الجنود وما يكتنف حياتهم من مشاعر تتراوح بين اليأس والرجاء، وتتأرجح بين ما يكتنفهم من أمنيات حياتية وتطلعات في الفترة ما بين العام ١٩٦٧ حتى العام ١٩٧٣، فقد التزم أبناء هذا الجيل الصمت في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، في مواجهة ما يدور حوله من أحداث محبطة وفي مقدمتها النكسة المريرة التي تعد نكسة مجتمعية أكثر منها نكسة حربية أو عسكرية، وبرغم صمته فقد أخذ على عاتقه بمواجهة شجاعة تصحيح المسار، وتحمل مسئوليته في أحلك الظروف عن هذه الانتكاسة التي حدثت من جراء صمته غير المبرر إزاء ما لا يصمت عنه، فأبناء الصمت المعنيون لدى "مجيد طوبيا" يقصد بهم من صمتوا عن رؤية العديد من الموبقات والسلبيات التي ماج بها المجتمع دونما رادع أو مانع.

وبدلا من أن يقفوا له بالمرصاد ويتصدوا كان صمتهم عاملا مساعدا على تفشيها وانتشارها، فبصمتهم هان عليهم نهر النيل وما يعانيه من تعديات، فبصمتهم طاح التجار استغلالا للشعب؛ سواء كانوا يتاجرون في قوته أو في صحته بغياب الرعاية الصحية والأطباء المخلصين لواجبهم، والأنكى صمتهم عن تجار الدين وبشاعة فكرهم المغرض؛ حتى ولد من رحم هؤلاء الصامتين جيل أبناء الفوضى، من العشوائيين حياة وفعلا وقولا وممارسة، حتى تفشت العشوائية في كل مكان، وضربت بقسوة أوصال المجتمع حتى أصبحت نظام حياة يحاصرنا من كل صوب وحدب.. وما بين أبناء الصمت وأبناء الفوضى، وقف المجتمع مترنحا كمن تتلاعب الخمر برأسه يكاد يسقط مغشيا عليه، فلا يجد بدا من الاستناد إلى تاريخ سبعة آلاف عام من الحضارة، اتكاء المهزوم الخاوي الوفاض فلا منقذ له من ترنحه سوى استعادة أمجاد عظيمة من صنع الجدود، وقد عفا عليها الزمان، في محاولة يائسة ذليلة.

لكن تبقى الأسئلة تتدفق وتتدافع - في رأسي - التي تنطوي في إجابتها على الحل - في تقديري -: كيف نعالج فوضانا؟! ومتى نضع نصب أعيننا المستقبل الذي ننشده لأبنائنا وبناتنا وأحفادنا؟! ومتى سنتوقف عن التزام الصمت أمام فساد نشهده ببؤبؤ العين، وندير ظهورنا ونمضي، كما لو كان يحدث في بلد غير بلدنا؟!

وإلى متى سنترك الفكر السلفي التكفيري المدمر يتلاعب بعقول أزاهير شبابنا؟! وكيف نسقط سلاح الفقر من أيديهم كمدخل مضمون لاستقطاب شبابنا؟!

الأمر جد خطير، إن جرثومة السؤال تجر عشرات التساؤلات حول ماذا أعددنا لنصلح من حالنا ونضبط منظومتنا الحياتية من كافة جوانبها، ونحدد بوصلتنا حتى لا نضل الطريق من جديد.. ويقيني أننا بدأنا المشوار الذي يقاس بألف ميل بخطوة تلو الخطوة على طريق الإصلاح السياسي والاقتصادي، وبداية جادة للنهوض بالتعليم، وإن كانت في حاجة ماسة إلى الصبر حتى تكتمل التجربة، وتظهر ملامحها بعد سنوات طوال إنهارت فيها المنظومة التعليمية واخترقها الفكر البالي، فلا يعقل أن تحل في لمح البصر؛ بل يكفي أننا وضعنا أيدينا على المشكلة لنطلق العنان للحلول.

وبطبيعة الحال فإن بداية أي إصلاح ينحصر في الاهتمام بالتعليم والثقافة.. لكن مازلنا نعاني حالة "استكانة ثقافية"، فلا قصور ثقافة تقوم بدورها، ولا مسارح ودور عرض أضيئـت، ولا ملامح لخطة ملموسة للنهوض بها وضعت!

ولا ندري لم يغب عن الدولة أهمية الدور الذي تلعبه وزارة الثقافة في محاربة الفكر المتشدد ونبذ العنف ولفظ الجنوح للإرهاب.

فالثقافة أولا وأخيرا سلوك ومنهاج حياة متوازنة، يحققها مقارعة الرأي والرأي الآخر بالحجة والإقناع بعيدا عن التربص والصراع؛ لتسقط الأسلحة وتخبو حدة العنف وتتغير القناعات بشتى الآليات المملوكة لهذه الوزارة التي تشتمل على قوتنا الناعمة شديدة الجاذبية والعالية التأثير، التي تمتلك المقدرة على إحداث التغير - وبتضافرها مع وزارات أخرى - بفنون راقية تقدمها، وبفكر مستنير تطرحه، ناهيك عن التلاقي الثقافي بيننا وبين غيرنا من العوالم المعرفية والثقافية لبلدان أخرى تثري تجاربنا وتعمق مفاهيمنا من خلال التفاعل الحقيقي والاطلاع على كل ما يحيط بها؛ لتعمق وتغذي فنا بفن، وترجمة بترجمة، وعلما بعلم،وحتى سياحة بسياحة..إلخ.

لم لا نخصص ميزانية منطقية تعين هذه الوزارة المهمة على الاضطلاع بدورها التنويري دون أية معوقات، فهذا استثمار نحتاجه بشدة في هذه الفترة التي نعيد فيها بناء الدولة المصرية والإنسان المصري.

فما نواجهه الآن من تحديات ينحصر في كونه حربا فكرية ثقافية معرفية معلوماتية من الطراز الأول، فلو لم نحصن عقول شبابنا بالفكر المستنير لن يستطيعوا مواجهة الحرب الضروس المعدة للإطاحة بهويتهم للنيل من قوميتهم، وتدمير ما تنطوي عليه الشخصية المصرية من مميزات جعلتها أهلا للصمود برغم توالي الطرق على الرءوس بالضربات القاصمة!

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة