Close ad
10-5-2019 | 02:05

من الرسائل والبوستات الدعوية عظيمة الشأن والأثر المنتشرة بوسائل التواصل الاجتماعى القول: عندما تمر جنازة، ادعُ لصاحبها بالرحمة والمغفرة، وحينما ترى عاملًا أرهقه التعب في الشارع قل: اللهم خفف عنه وارحمه، وعندما ترى سيارة عريس مرت في الشارع أو أمام باب بيتك، قل: "اللهم بارك لهما واجمع بينهما في خير"، وعندما ترى امرأة حـامـلًا، ابتسم وقل: "اللهم اجعل ذريتها صالحة"، وعندما تقضي مصلحتك وتلتفت لترى وراءك طابورًا عملاقًا، ردد "رب يسر لهم ليقضوا مصالحهم كما قَضيت مصلحتي"، وعندما تخرج من عند الطبيب وقد أخبرك أن حالتك تحسنت، ادع ربك أن يشفي كل مريض، وعندما ترجع إلى بيتك وتجد أمك أو زوجتك قد أعدت الطعام، ابتسم وقل: "أسأل الله ألا يحرمني منك وادع لها ولكل المسلمين"، فلا تعلم ماذا تفعل الدعوة لصاحبـها، يمكن أن ترد عنك مصيبة، يمكن أن تحل لك أزمة، يمكن أن تكون سببًا في شفائك أو شفاء مريض لك، يقول المصطفى ﷺ: "دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِمِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بِهِ، آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ".

والحق أشهد أنه كما لوسائل التواصل الاجتماعى جانبها السلبى، فإن لها جانبًا إيجابيًا مشرقًا، دعويًا، بليغًا، يستطيع المسلم من خلالها أن يدعو فيها إخوانه، بنى دينه، وغيرهم، إلى الإسلام وإلى مكارم أخلاقه، وأن يحيي سننا نبوية قد أماتها الكثير من المسلمين، تعمدًا أو بدون قصد، ومن ثم كانت هذه الرسالة الدعوية البليغة، الجميلة، التي نحن بصددها، والتي تدعو وتحث المسلم، أن يكون عبدًا ربانيًا، يحب الخير لأخيه المسلم، كما يحبه لنفسه، وصدق ربنا سبحانه: "إنما المؤمنون إخوة"، وصدق حبيبنا وقدوتنا، معلمنا وتاج رؤوسنا ﷺ الذى جعل من دلائل اكتمال إيماننا ورسوخه في قلوبنا حب الخير للغير، في قوله: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، ويعلم سيدنا معاذ حين سأل النبي ﷺ عن أفضل الإيمان، قال: "أن تحب لله، وتبغض لله، وتعمل لسانك في ذكر الله، قال: وماذا يا رسول الله؟ قال: وأن تحب للناس ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك".

بل يضرب لنا فخر الكون ﷺ -معلمًا- المثل لهذا الحب عمليًا لكل خلق الله، وأنه يكاد يموت غمًا وأسفًا علي عدم إيمانهم واتباعهم لرسالته ونجاتهم من نيران الله الموقدة، يصدقه قول ربنا عز وجل: قال الله تعالى: "فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا"، وقوله تعالى: "فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسَكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ".

كما يضرب لنا أمهات المؤمنين وساداتنا الصحابة الأجلاء أروع الدروس في حبهم لبعضهم البعض، وإيثارهم على أنفسهم، تعليمًا لنا، وأخذًا للقدوة الحسنة عنهم، ومن هذا إيثار أمنا عائشة رضي الله عنها، لما طعن عمر بن الخطاب، قال لابنه عبد الله: اذهب إلى أم المؤمنين عائشة فقل: يقرأ عمر بن الخطَّاب عليك السلام، ثم سلها أن أدفن مع صاحبي، قالت: كنت أريده لنفسي، فلأوثرنه اليوم على نفسي، فلما أقبل، قال له: ما لديك؟ قال: أذنت لك يا أمير المؤمنين، قال: ما كان شيء أهم إلي من ذلك المضجع، وهذا عبدالرحمن بن عوف عندما قدم المدينة، وآخى النبي ﷺ بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، وعند سعد امرأتان، عرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال له ابن عوف: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلني على السوق، ثم يسير سلفنا الصالح على هدى نبينا وصحابته في ذلك، فيقول إمامنا الشافعى: "وددت أن الناس كلهم تعلموا هذا العلم، ولم يُنسب إلي منه شيء"، روي عن الفضيل بن عياض أنه قال لسفيان بن عيينة: "إن كنت تريد أن يكون الناس كلهم مثلك، فما أديت النصيحة، كيف وأنت تود أنهم دونك".

ولله دره ابن تيمية حين قال في مجموع فتاويه: "إنك إذا أحببت الشخص لله، كان الله هو المحبوب لذاته، فكلما تصورته في قلبك، تصورت محبوب الحق فأحببته، فازداد حبك لله، كما إذا ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم، والأنبياء قبله والمرسلين وأصحابهم الصالحين، وتصورتهم في قلبك، فإن ذلك يجذب قلبك إلى محبة الله، المنعم عليهم، وبهم، إذا كنت تحبهم لله. فالمحبوب لله يجذب إلى محبة الله، والمحب لله إذا أحب شخصًا لله، فإن الله هو محبوبه، فهو يحبّ أن يجذبه إلى الله تعالى، وكل من المحب لله والمحبوب لله يجذب إلى الله".

وما أروعه الجاحظ حين يقول في كتابه "تهذيب الأخلاق": "ينبغي لمحب الكمال أن يعود نفسه محبة الناس، والتودد إليهم، والتحنن عليهم، والرأفة والرحمة لهم، فإن الناس قبيل واحد متناسبون تجمعهم الإنسانية، وحلية القوة الإلهية هي في جميعهم، وفي كل واحد منهم، وهي قوة العقل، وبهذه النفس صار الإنسان إنسانا".

ثم أتينا نحن هذا الزمان لنسير نحن على سبل خلاف ما مشى عليه نبينا وصحابته وسلفنا المبارك - إلا ما رحم ربى - فضعفت وشائج وروابط المحبة والمودة بيننا، وبات الحب الخالص في الله، القائم والمبني على المودة والتراحم والتعاطف والإخاء، أمرًا استثنائيًا، وما أحوجنا أن يعود هذا الحب في أيامنا المباركة هذه بيننا.. وكل عام أنتم بخير.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
المعذرة العملية لله ورسوله

المعذرة العملية لله ورسوله

ملتقى القاهرة الدولي الخامس للخط العربي

بادئ ذي بدء، أسجل عشقي وهيامي بفن الخط العربي كفن إسلامي أصيل يأخذ بالأفئدة والألباب قبل أخذ الأبصار، ذلك أنه حاضن رئيس لوعاء هويتنا العربية والإسلامية

عمارة.. ونشر علمه وفكره

عمارة.. ونشر علمه وفكره

صناعة التطرف والعنف .. بفيلم كارتون

أثار انتباهي هذا التقرير المنشور للزميلة إيمان عباس بـ"بوابة الأهرام" تحت عنوان (صناعة التطرف والعنف تبدأ بـ"قصة وفيلم كارتون".. والبرلمان يفتح الملف)،

تعلموا الحب الحقيقي

لا حديث الأمس واليوم وغدًا، يسيطر على عقول الكثير منا، إلا الحديث عن "عيد الحب"، "الفلانتين" والترتيب لإحياء ذكراه، لينعم فيه كل محب بحبيبه - حالمًا وواهمًا

القاهرة عاصمة للثقافة الإسلامية

في خبر سار يضاهي واقع ومكانة قاهرتنا وتاريخها الإسلامي التليد، أعلن في التاسع عشر من الشهر الماضي - وعبر المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو"-

الطيب.. والخشت.. وأهل الفتن

الطيب.. والخشت.. وأهل الفتن

الليبرالية .. التخلص من قيود السلطات الثلاث

الليبرالية .. التخلص من قيود السلطات الثلاث

حضارة نبينا.. نموذج عملي لحياتنا

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وقلم الظفر، ونتف الآباط

متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟

عطفًا على حديثي بمقالي السابق "هذا هو الإسلام"، الذي تحدثت فيه عن حملة وزارة الأوقاف العالمية الدعوية "هذا هو الإسلام"، التي أطلقتها لهذا العام بأكثر من

هذا هو الإسلام

جميل، وبديع، ومثمن، صنيع وزارة الأوقاف حين أطلقت حملتها العالمية الدعوية لهذا العام "هذا هو الإسلام" بأكثر من عشرين لغة، بيانا لصحيح الإسلام للدنيا بأسرها،