Close ad

في "تأتون من بعيد".. الإنسان دائما تقهره الحروب

19-4-2019 | 20:26

ظل الإنسان هو العنصر الأهم في البشرية، فعليه قامت الحياة، وتظل الحروب هي أسوأ ما فيها؛ لأنها دائمًا تستهدف دماره، تلك الحالة التي إن تعمقنا في فهمها وتأملناها جيدًا لشعرنا بفداحة ما حدث في الحروب العالمية؛ خاصة الحرب العالمية الثانية؛ لأن نتائجها على الخريطة العربية كانت قاسية.

هذه ليست مقدمة لموضوع أو مقال بقدر ما هي استنتاجات من مشاهد فيلم "تأتون من بعيد" للمخرجة أمل رمسيس الذي عُرض مؤخرًا في مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والروائية القصيرة، وهو يحصد جوائز مشاركاته في معظم المهرجانات العربية، وفاز في المهرجان الأخير "الإسماعيلية" بجائزة النقاد "الفيبريسي" كأفضل فيلم روائي طويل.

الحكاية معقدة.. فهو يرصد بشكل مؤلم ما حدث لأسرة فلسطينية من جراء الحروب الأهلية بداية من الحرب الأهلية الإسبانية استمرت من 1936 إلي 1939، وكانت حربًا بين الجمهوريين، الموالين للديمقراطية، والجمهورية الإسبانية الثانية ذات الاتجاه اليساري، والوطنيين، وقد لعبت الصدفة دورها كما تقول المخرجة في صناعة هذا العمل المهم جدًا.. إذ إنها عثرت على خيوط لعائلة المناضل الفلسطيني ويدعى نجاتي صدقي، وهي في إسبانيا حيث شارك هذا المناضل في الحرب الأهلية، ثم تعرفت على ابنته لتبدأ رحلة البحث عن باقي أفراد الأسرة من خلال السرد والحكي معها.

لم يكن السرد التقليدي هو الهدف من صناعة فيلم إنساني من الدرجة الأولى بقدر ما هو خيط ترسم به خريطة تمزقت ملامحًا من جراء الحروب في القرن العشرين بداية من العام 1930 بإسبانيا، مرورًا بحرب 1948 ثم نكسة 67 في مصر والعالم العربي، ثم الحرب الأهلية اللبنانية في السبعينيات..

كلها محطات حاولت المخرجة تصوير ملامح منها، من خلال بحثها عن أفراد الأسرة الفلسطينية التي مزقتها الحروب فتوزعت ما بين إسبانيا وبيروت ثم موسكو؛ حيث الأخت الكبرى يهودية - أوكرانية عاشت حياتها في موسكو بعد انتهاء الحرب الإسبانية .

المتأمل في فيلم "تأتون من بعيد" سيكتشف أن هناك رغبة لدى المخرجة المتمرسة أمل رمسيس، وهي تهتم بسينما المرأة، وصاحبة تجارب مهمة في هذا المجال وأنشأت مهرجانًا خاصًا بسينما المرأة له خصوصيته.. سيكتشف أننا أمام عمل برغم بعض الحشو الذي قد يصيب المشاهد بالملل، إلا أنه يرتكز على وثائق وصور وأحداث، الجيل الجديد في أمس الحاجة إليها؛ لأنها من الصعب قراءتها في كتاب واحد، أو أن يستقيها قارئ شاب من مصادره المنتشرة حاليًا كالتواصل الاجتماعي، ومن ثم يصنف هذا الفيلم على أنه عمل توثيقي إنساني بديع.

ركزت المخرجة أمل رمسيس على الجانب الإنساني لأنه - على حد قولها- كان الهدف من تقديمها للفيلم، الذي ظلت 14 عامًا تعد له وتجمع مادته، حتى إن بطلة الحكاية ماتت قبل عرض الفيلم بفترة قصيرة.

قد تبدو الحكاية صعبة لمن يتابعها على الشاشة لغرابتها، فصدقي نجاتي وابنته التي تهاجر إلى موسكو بعد اعتقال والديها، ويحدث الشتات بين باقي أفراد هذه الأسرة التي تتنقل في أماكن عدة، منها لبنان، وفيها يحدث اللقاء الأول للأسرة كاملة، لكن حواجز اللغة تظل عنصرًا محيرًا للفيلم والمشاهد؛ حيث تتحدث الأخت الكبرى "دولت " الروسية، بينما تتحدث الأخت الصغرى العربية.. هي صورة من صور آثار الحروب على الشعوب يقدمها فيلم تسجيلي روائي طويل، لا يشعرك تصويره بأنك تتابع فيلمًا بتكنيك الأفلام التسجيلية التي يغلب عليها إما السرد التقليدي لحكاية أو مكان، أو نقل المكان للمشاهد بتفاصيل أكثر عمقًا.

أمل رمسيس جمعت كل هذا في فيلمها "تأتون من بعيد" مع مادة توثيقية رائعة للحروب التي تعاملت معها من خلال أرشيفات الدول كإسبانيا أو فلسطين أو لبنان، وقدمت فيلمًا به معلومات ومتعة للمشاهد، تغير بها النظرة القاصرة للفيلم التسجيلي لدى المشاهد المصري.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة