"جدعنة شباب ولاد البلد" تدفعهم للمخاطرة بأرواحهم دون تردد، شاهدت فيديو شاب الزاوية الحمراء الذي هرول ليتسلق ثلاثة أدوار على ماسورة الغاز، ويحتضن مسنًا من وسط الحريق والدخان، ويحمله على ظهره متسلقًا نفس الماسورة، ويسلمه لشخص في الطابق الأول، وأمام ذهول الجميع يعيد المشهد لينقذ الحفيدين، وحاز الفيديو إعجاب رواد التواصل الاجتماعي وتقدير اللواء خالد عبدالعال محافظ القاهرة وقام بتكريمه.
ويحدث هذا في وقت بدأت فيه الناس تتساءل أين ذهبت النخوة؟ وإذا بوقائع تحكي مروءة وشهامة شباب مصري تطل علينا بشكل متتابع، وتروي قصص إبداعاتهم في أعمال الخير لأهل بلدهم، وتظهر شجاعتهم في مساعدة الملهوف، وتوضح أن قلوبهم لا تحمل كراهية للغير، وتقدم صورًا مضيئة تخالف مشاهد الغل لشباب في الغرب، تصور نبذه للآخر وشهوته في إبادته.
ونلتفت إلي منطقة أخرى ونرى واقعة تدمي القلوب، بطلها شاب عمره 28 عامًا يعمل "مكوجي"، تتفجر الدماء في عروقه ويدافع عن سيدة تعرضت للتحرش، فيسقط شهيدًا للشرف بطعنة من المتحرش، تاركًا خلفه زوجة وابنا، لأن الشرف عند الجدعان وأصحاب النخوة يمثل المعنى الحقيقي للحياة، والشرف في عقيدتهم يعني كل المحرمات من أرض وعرض ومال، ويتلقف شاب مصري شهم يعمل في الخارج حكايته، ويطلق حملة تبرع لأسرة شهيد الشرف، وتنهال تبرعات المصريين أصحاب الخير والمروءة.
وكلما تخطو أقدامنا خطوة نجد آلاف النماذج من طيب ثمار أرضنا، ولذا العلاقة بين الوطن وشبابه الشهم يوثقها رباط مقدس، وحتى لا يقول قائل إن الأمل في النخوة كاد يفتر بداخلنا، بعدما لامسه الكثير من أنانية وخذلان عند بعض شبابنا، وأقول للقائل قد يطفو على السطح الشيء القبيح وقت قصير ولا يدوم، ولكي تتطمئن هيا معي إلي صورة أخرى من شهامة شبابنا تدعوك إلي الفخر، لتشاهد شابا يعمل سائقًا لتوك توك يصادف سيدة تبكي لسرقة حقيبتها، ويتوقف ليستمع منها عن مواصفات السارق، ويطوف بحثًا عنه وينجح في انتشال الحقيبة منه، ويسلمها للسيدة والتي كان بداخلها ربع مليون جنيه، ورفض الحصول على المكافأة برغم تواضع حاله، وفي المقابل قد يكون الشاب السارق في حاجة إلي المال، ولكن بطلنا الشهم يؤمن أن الاعتداء على حقوق الغير خيانة وموت للإنسانية، وأن السارق وأمثاله أصبحوا كالأنعام بل أضل سبيلا.
وأعيد لذهنك شهامة شاب محطة سكة حديد مصر، الذي لاحظنا لهفته في إنقاذ أرواح عشرات المصابين من الحريق، وسوف أعبر بك بر مصر ونذهب سويا إلي إيطاليا، وأطلعك على صورة شهامة الطفل المصري رامي شحاتة صاحب الـ 13 عامًا، يستقل حافلة المدرسة وبرفقته 51 طفلا، وفجأة يقفز شخص بداخلها ويسكب الكروسين في جوانبها ليشعلها، ويستولي على هواتف الأطفال، ويقف الطفل المصري مكتوف الأيدي، ويستخدم ذكاءه ويخفي هاتفه بسرعة، ويبدأ بتمتمة كلمات باللغة العربية وهو في الحقيقة يتصل بوالده، الذي بدوره أبلغ الشرطة، ولولا شجاعة الطفل المصري ما استطاعت الشرطة إنقاذ الأطفال والحافلة تحترق، وكرمه مسئولون إيطاليون.
ولتعلم أيها المتشكك أن شهامة المصريين، خاصة منهم الشباب لا تعرف حدودًا جغرافية، وأن هؤلاء الشباب طيب الخلق يعمل بحديث النبي "صل الله عليه وسلم": "أحب الناس إلي الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربه، أو يقضي عنه دينًا، أو يطرد عنه جوعًا"، ونحن مازلنا خارج حدود مصر لنستمع أيضًا إلي قصة شجاعة شابين مصريين يعملان بمهنة الصيد في اليونان، يخاطران بأرواحهما لإنقاذ مئات اليونانيين بإحدى القرى بعد أن حاصرتها النيران، ويكرمهما رئيس اليونان ويمنحهما الجنسية اليونانية.
ومهما حلت فترات ويعلو الغبار فيها على بعض النفوس، فسرعان ما ينفضه المعدن الثمين ويعود إلى بريقه، وهكذا الشباب المصري حينما يلمع بريقه يتصدر قائمة علماء الغرب، وعندما تشحذ همته يحطم خطوط العدو.
[email protected]