ن مبدأ ترشيد الدعم لا يختلف عليه أحد؛ لكن المشكلة في أسلوب الترشيد، وهنا أهمية البعد الاجتماعي عند الترشيد.
وبشكل مبدئي هناك ثلاث فئات يجب أن تستبعد فورًا من الدعم الأولي الفئة الأولى هم الأجانب المقيمون في مصر، ويقدر عددهم بنحو عشرة ملايين مواطن، يتمتعون بدعم البنزين والكهرباء والماء وخلافة؛ ومن هنا ضرورة البحث عن وسيلة لربط الدعم ببطاقة الرقم القومي، أو كارت مثل كارت البنزين يستخدم للحصول على سعر مدعم للخدمات، أو ربط استخراج عدادات الكهرباء والماء والغاز ببطاقة الرقم القومي، ولايحق لأي مصري الحصول على أكثر من عداد واحد فقط مدعم.
الفئية الثانية هي فئة الاستلاك الوفير، وهنا يوجد اختلاف حول ما هو الاستهلاك الوفير، ولمواجهة هذه المشكلة يكون هناك فكرة الشرائح التصاعدية في التسعير؛ بمعني زيادة السعر بنسبة معينة، ولتكن 10%، مع زيادة استهلاك المنتج بنسبة 10% عن حد معين؛ بمثال عملي دعم الكهرباء يرفع بعد تعدي الاستهلاك ألف كيلوات الآن، والمطلوب بعد ذلك أن من يستهلك 10100 ك ت يدفع 10% زيادة على سعر التكلفة، وهكذا تستمر زيادة السعر مع زيادة الاستهلاك، وبدون حد أقصى؛ لتحقيق هدفين معًا الأول تحقيق التكافل الاجتماعي بين أبناء الوطن؛ حيث يساهم الأغنياء ذوو الاستهلاك الوفير في دعم محدودي الاستهلاك، والهدف الثاني هو الحد من الاستلاك الترفي للأثرياء، وهذا هو المعمول به في كافة الدول الرأسمالية؛ حيث ترفع الدولة يدها عن الدعم، ولكن يستمر الدعم لمحدودي الاستهلاك على حساب أصحاب الاستهلاك الوفير.
أما الفئة الثالثة فتضم أصحاب الاستلاك التجاري بكافة صوره من مكاتب أو عيادات أوغيره؛ فالدعم للمواطن البسيط محدود الدخل.
هذه مبادئ عامة يجب تفعيلها سريعًا باستبعاد الفيئات الثلاث السابقة من الدعم، وبالنسبة لكل بعد من أبعاد الدعم تحديدًا يمكن تفصيل ذلك في الآتي:
أولا: بالنسبة لدعم البنزين حسنًا صنعت الوزارة؛ برفع الدعم عن بنزين 95؛ بل نطالب أكثر من ذلك؛ برفع سعره على السعر العالمي؛ فقد صرح وزير البترول من أسابيع بأن سعره في الدول المجاورة نحو 35 جنيهًا مصريًا؛ فلماذا لا يكون سعره في مصر 40 جنيهًا؛ لدعم الطبقات الأقل - كما يحدث في الغرب - كما أن هناك كارت البنزين، ولقد تم استخراجه فعلا، فلماذا لا يفعل الآن حتى لا يستفيد عشرة ملايين أجنبي من دعم الطاقة ويثبت السعر الحالي لبنزين 90 و85؛ بل إن هناك موردًا آخر لزيادة الدخل يقدره الخبراء بنحو عشرة مليارات جنيه سنويًا؛ وهو إدخال التوك توك ضمن منظومة المرور؛ لضبط الأمن، وقصره على الأماكن المناسبة حتى لا نفاجأ غدًا بوصوله إلى العاصمة الجديدة.
بمعنى أن (تفعيل كارت البنزين، وربط التوك توك بمنظومة المرور، ورفع سعر بنزين 95) كل هذا سيأتي بحصيلة أكبر بكثير من رفع أسعار البنزين بوجه عام، وبدون أعباء على الطبقة الوسطى والدنيا، وهذه هي أهمية المنظور الاجتماعي في ترشيد الدعم.
ثانيًا: دعم الكهرباء فإن تصريح وزير الكهرباء بوقف رفع الأسعار مؤقتًا يجب أن يقتصر على الشرائح الدنيا والوسطى؛ بمعنى زيادة السعر من يوليو المقبل بشكل تدريجي مثل 10% لمن يستهلك من ألف ك ت إلى ألف ومائة ك ت، ثم 20% لمن يتعدى ألف ومائتين إلى ألف وثلاثمائة.
وهكذا تستمر الزيادة التصاعدية، مع إلغاء دعم الكهرباء تمامًا للأجانب، والاستهلاك التجاري؛ من خلال ربط العداد بالرقم القومي أو فكرة جديدة؛ مثل كارت البنزين الذي تم استخراجه فعلا، ونفس الأفكار والمبادئ تطبق على الماء والغاز.
وعلينا الانتباه لمشكلة خطيرة جدًا تتعلق بالمياه تحديدًا؛ حيث اضطر كثير من الفقراء إلى الاستغناء عن المياه النظيفة، وأصبحوا يعتمدون على طلمبة لسحب المياه الجوفية؛ الملوثة بمياه الصرف؛ والتي تسبب كثيرًا من الأمراض الخطيرة؛ لعدم قدرتهم على دفع فاتورة المياه، وهي قضية في منتهى الخطورة وتداعياتها أكثر تكلفة من تكلفة دعم المياه، واستمرارها يعني مزيدًا من النفقات على المرض والعلاج.
ويجب استمرار دعم أسعر المياه، وبوجه خاص في المناطق الريفية والفقيرة والعشوايئة؛ بينما تكون هناك تسعيرة أخرى وتصاعدية لأصحاب الفلل والمناطق الراقية، وهذا حق للمواطن محدود الدخل، وحق اجتماعي لحماية الوطن من انتشار الأمراض والأوبئة الفتاكة؛ فرحمة بالفقراء ومحدودي الدخل، ولنتأسى بحديث رسولنا الكريم "صلى الله عليه وسلم": «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ».
وأخيرًا هناك الجهات الحكومية مثل المدارس.. وغيرها من ابنية حكومية، يضع لها شرائح أخرى مناسبة لحجم الاستهلاك.. وللحديث بقية عن إشكالية مفهوم الدعم، وتداعيات الإصلاح الاقتصادي على المجتمع..