تنسج مصر علاقاتها الخارجية بمهارة جراح دقيق في عالم مرتبك ونجحت في الزحف إلى مناطق جغرافية لم تكن مأهولة دبلوماسيا من قبل، فقد خرجت من بيت الطاعة الأمريكي والدوران في فلكه، وأي منصف لن يصدق ما وصلت إليه الدبلوماسية المصرية مقارنة بماكانت عليه الأوضاع منتصف عام ٢٠١٣ من علاقات مجمدة ومتوترة مع معظم دول العالم إلى علاقات متوازنة وشديدة الاحترام مع معظم دول العالم شرقا وغربا حتي أصبحت مصر رئيسة للاتحاد الإفريقي ورئيسة لمجلس الأمن والسلم وحاضرة في قمة السبع الكبار وقمة العشرين.
وباتت مصر رقما مهما في العالم وطرفا مقبولا من كل الأطراف في أي توتر سياسي دولي، غير أن المهم كان في سياسة مصر نحو الهجرة للجنوب لقارتها الإفريقية، الأرض البكر ومهد التاريخ والإنسانية، ثانية قارات العالم في المساحة بعد آسيا، وتضم ٥٨ دولة، يحدُّها من الجهة الغربيّة المُحيط الأطلسيّ، ومن جهة الشّمال البحر الأبيض المُتوّسط.
أمّا من الجهة الشرقيّة فيحدُّها كلّ من المُحيط الهنديّ والبحر الأحمر، ومن الجهة الجنوبيّة تحدُّها المياه الإقليميّة المُشتركة للمُحيطين الأطلسيّ والهنديّ. تحتوي قارّة إفريقيا على عدد من الدّول، والتّضاريس الجغرافيّة المُتنوّعة تصل المساحة الجغرافيّة الكليّة لقارة إفريقيا إلي 30,247,000 كم².
وتتميّز بتنوّع تضاريسها الجغرافيّة بين الهضاب، والسّهول، والجبال، والمناطق الصحراويّة، والغابات.، ممّا أسهم في ظهور ذلك التنوّع في بيئتها المُناخيّة والسُكانيّة، ويمكن تصور خريطة العالم وموازين القوي إذا حدث اتحاد إفريقي من عدد من الدول مماثل للولايات الأمريكية الخمسين.
وبغض النظر عن تلك الرومانسية السياسية فقد سعت مصر في أعقاب ثورة ٣٠ يونيو للتركيز في أهم دوائر الأمن القومي كملف النيل ودول حوض النيل ثم مع دول القرن الإفريقي ودول الجنوب الإفريقي ثم مع دول الحزام الإسلامي ووسط وغرب إفريقيا ولم تكن المسألة صعبة نظرا لرصيد مصر الإفريقي عندما كانت الداعم الأساسي في كل حركات التحرر الوطني واستضافت قادة التحرر، ويمكن التعرف علي هذا في شهادات قادة التحرر مثل نيلسون مانديلا، وسنجور ونكروما.
كما استقبلت مصر مئات الأفارقة في الجامعات المصرية وأرسلت بعثات علمية ودبلوماسية.
ولاتزال الشعوب الإفريقية تحب مصر، وتحمل لشعبها الكثير من الود، ولاتزال بعض الدول تحيي ذكرى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر سنويا، ومازالوا يحتفظون له بجميله في مساعدتهم في مواجهة الاستعما وكان السعي إلى الاستقلال مصحوبًا بطموحات التنمية المستقلة، وسيادة الدول الإفريقية على ثرواتها وقد كانت إشارة الرئيس السيسي أخيرا لرؤية التنمية في السوق العربية الإفريقية لنحو مليار نسمة و٨٠ دولة وتلك إحدى البدائل الحتمية للتنمية والاستثمار الآمن والمضمون لكل الأطراف بحيث يتم توظيف رأس المال العربي في تصنيع الكنوز الإفريقية من المواد الخام والاستفادة من القيمة المُضافة واستزراع ملايين الأفدنة وترويض المياه المهدرة، غير أن تدني الصادرات والواردات تستدعي إعادة النظر فيما تحتاجك الأسواق الإفريقية، لأنه من غير المعقول أن تكون الصادرات ثلاثة مليارات ونصف وهي غير مرضية، مقارنة بحجم مصر المتميز وعلاقتها بتلك الدول، وما لديها من اتفاقيات موقعة بهدف دعم العلاقات التجارية بين مصر والقارة الإفريقية، خاصة أن الاتفاقيات التجارية الموقعة ليست فقط العامل الأساسي لتنمية العلاقات الثنائية بين مصر والقارة السمراء.
بل لابد من العمل علي معالجة التحديات التي تواجه هذا التبادل، والتي تتمثل في مشكلات النقل بين مصر والقارة، وأيضا التحويلات النقدية، والتي تعتبر من أهم التحديات التي مازالت تواجه المٌصدِّر، حيث إن هناك صعوبة في الحصول على مستحقاته المادية مقابل تصديره إلي أفريقيا مما يتطلب ضمان حصوله على أمواله وهي صعوبات يمكن مواجهتها وحلها بقليل من التفاوض الجماعي عبر الاتحاد الإفريقي في فترة رئاسة مصر وخلال موسم الهجرة المصري للجنوب.