منذ سنوات طويلة لم تقدم الدراما التليفزيونية عملا يرصد فترة زمنية تتجاوز المائة عام، لأن هذه النوعية من المسلسلات تحتاج إلى مؤلفين لديهم حرفية وثقافة خاصة، وجرت العادة أن تقدم هذه الأعمال فى أجزاء.. وتمتد حتى الـ 60 حلقة بل وأكثر من ذلك.. ولكن تجربة المسلسل التليفزيونى "أهو ده إللى صار" للمؤلف عبد الرحيم كمال، والتى تصدى لها مخرج سوري هو حاتم علي، وبدماء شابة ما زالت تعد من أهم التجارب التى قدمتها الشاشت العربية خلال السنوات الماضة .
المسلسل يشبه السينما التجريبية، حيث يقدم لنا المؤلف حقبة زمنية طويلة قوامها المئة عام فى شكل هو الأول من نوعه، لم يستخدم الفلاش باك المباشر بل قدم فى الحلقة الواحدة الزمنين القديم والحديث دون خلل فى التتابع أو النقل من زمن إلى زمن وبنفس الأشخاص وبتكنيك إخراجى مبسط، رغم ما أخذ على مخرجه حاتم على من أنه ليس مصريا.. ويتصدى لواقع تاريخى من مجتمع ليس من ثقافته ولم يعشه أو يعرف الكثير عنه كفترة ما بعد ثورة 19 أو مفردات الفترة وطبيعة الحياة في الحواري والشوارع والموسيقى والأغنية والمسرح.. لكنه بعد عدة حلقات أثبت أنعه مخرج متمكن من أدواته فلم يغفل كل هذه المفردات.
الأحداث تدور في إطار درامي اجتماعي خلال حقبة زمنية ما بين (1918: 2018)، حول المعاناة التي تقابلها المرأة بصفة عامة، والصعيدية بصفة خاصة، واختلاف الأفكار والعادات والتقاليد، وغيرها من القضايا الاجتماعية التي تخص المرأة.
عبدالرحيم كمال أصبح نموذجا للمؤلف المتمرس الذى يعرف كيف يختار أفكارًا صعبة، هو قارئ جيد لما يجب أن يقدمه، حريص على الاختلاف.. هذا الاختلاف الذى كان سببًا فى تميز العمل سواء فى ترشيحات أبطاله وهم جميعهم من الشباب باستثناء بعض الممثلين المحترفين أمثال سوسن بدر التى أصبحت أيقونة الدراما المصرية والممثل الموهوب جدا محمود البزاوى.
اختار المخرج شبابا لمعوا من قبل فى أدوار مهمة فكان أمثال روبي وأحمد داوود ومحمد فراج وأروى جودة وهشام إسماعيل والممثل الذى يعد اكتشافًا فى هذا العمل على الطيب.. وبالطبع عدد كبير من الوجوه التى تبارت ليخرج "أهو ده اللى صار" بهذا الشكل والأداء الممتع للجميع.
ولا يمكن إغفال دور التصوير للشاب كويمان عصام التونسى والملابس مونيا فتح الله، ووالموسيقى لأمين بوحافة.. كلها عناصر أسهمت بقوة فى تميزه عن باقى الأعمال الدرامية التى عابها المط والتطويل والارتجال حيث شهدت الفترة الماضية مسلسلات إن لم تشاهد الجزء الأول منها تتابع الثانى وكأنه لا تغيير.
ومن يتابع أعمال عبد الرحيم كمال سيكتشف أن جميعها من تراب هذا الوطن، بها حالات وجدانية وروحانيات، تصل إلى درجة التصوف للشخصيات، لأنها تلك هى حالته الطبيعية التى يعيشها فى الواقع .. يحب شخصيات أعماله وكان واضحا فى "شيخ العرب همام" و"الرحايا" وونوس" و"دهشة" و"الخواجة عبد القادر" و"يوني ولد فضة"..
وفى "أهو دا إللى صار" يعشق المؤلف كل شخصياته فيصل بها إلى المثالية، والعشق الذى يمثل حالة إنسانية بديعة تعاطف معه المشاهد، وأيضًا روبي التي تعيش أجمل حالاتها، ثم محمد فراج الذي اختلف في أدائه عن كل أعماله ..
سوسن بدر والبزاوى، كانا سببا في أن المشاهد لم يشعر بغياب النجم الذي تبنى عليه الأحداث عادة في الأعمال الدرامية، فاقترب العمل من الشباب وتعلقوا به لأنه مسلسل عن مصر في مائة عام.