اختلف كثيرون في وضع معنى للسعادة، واحتار أعظم الفلاسفة في تحديدها أو تفسيرها؛ فمنهم من قال إن السعادة في الإيمان والرضا، ومنهم من قال في المال، ومنهم من قال في الأولاد؛ ومنهم من قال إنها في الصحة، وآخرون قالوا في الستر، ومنهم من قالوا إنه لا توجد وصفة سحرية تجعلنا سعداء؛ فهي ترتبط بعوامل عديدة معقدة.
ووصل الأمر إلى إنشاء وزارة باسم السعادة في الإمارات، وكان الهدف الأول من إنشائها هو بناء خطط الدولة وبرامجها لتحقيق سعادة المجتمع.
ولم تكن وزارة السعادة في الإمارات هي الأولى من نوعها؛ ففي عام 1972 أنشأت مملكة بوتان وزارة للسعادة – وبوتان هي بلدة غير ساحلية في جنوب آسيا، تقع في الطرف الشرقي من جبال الهيمالايا.
ونعود للسؤال الملح، أين نجد السعادة الحقيقية؟! وسأروي لكم قصة صغيرة علنا نجد فيها ضالتنا المنشودة ونعرف المعنى الحقيقي للسعادة.
كانت إحدى الداعيات تشجع النساء على الصدقة، وكانت تلقي محاضرتها في أحد النوادي، وبعد انتهاء المحاضرة، قامت النساء بالتبرع بالنقود والحُلي، وتبرعت إحداهن بعِقْدٍ من الذهب المطعم بالألماس كانت تلبسه.
وأخذت الداعية العِقْدَ وما تبرعت به النساء من حُلي وذهبت إلى أحد محلات الذهب لبيعه، حتى تتصدق بثمنه، فاستأذنها الجواهرجي في أن يزيل فصوص الألماس من العِقْد، ثم يزن الذهب؛ حتى يقدر ثمنه، وبينما هو ينتزع الفصوص صرخ قائلًا: ما هذا؟! وإذ به يجد (شعرًا وأظافر آدمية) مخبأة تحت فصوص الألماس.
وتملك الداعية شغفٌ لمعرفة قصة هذه المرأة، فطلبت من نفس النادي - الذي قابلت فيه صاحبة العِقْد - أن تلقي به محاضرة أخرى، وما إن رأت صاحبة العِقْدِ الداعية، حتى أتت إليها مسرعة مبتهجة، وحكت لها عن التحسن والسعادة التي دبت في حياتها فجأة دون مقدمات، بعدما تصدقت بذلك العِقْدِ النفيس، فما كان من الداعية إلا أن أخرجت من حقيبتها هذه الأشياء وأخبرتها بأنها كانت مخبأة داخل العِقْد!!
فبكت المرأة وقالت للداعية: هل تصدقين أنني منذ اقتنيت هذا العِقْد الملعون وأنا منفصلة عن زوجي نفسيًا وجسديًا؛ على الرغم من أننا كنا نعيش في بيت واحد، ولكن بعد التصدق به عادت الأمور لطبيعتها، واجتمعنا لأول مرة على سفرة واحدة، وأصبحت علاقتي بزوجي - والحمد لله - على أفضل ما تكون، وكأن شيئًا لم يكن.
ولما سألتها الداعية عن مصدر ذلك العقد اللعين؟! قالت المرأة: إنه - وللأسف الشديد - هدية ممن كنت أظنها أعز صديقاتي!!.
وفي القصة عبرة عظيمة تتمثل في أن هذه المرأة المُتصدقة كافأها الله بحسن نيتها وجازاها على بذلها عقدًا نفيسًا كهذا العقد، بأن صرف عنها الشر والسحر الذي كانت لا تعلم أنه سر تعاستها، وأنزلها أودية السعادة المفقودة بفضل صدقتها، وأذكر أن أحد الأطباء النفسيين الناجحين قال: "إنه من أقوى أسلحتي في علاج الأمراض النفسية، سؤال بسيط جدًا كثيرًا ما أسأله لكل من يدخل عيادتي: هل تصدقت اليوم؟ هل أطعمت أي مخلوق؟ هل تصدقت حتى تشعر بالسعادة؟".
وتعالوا معي نتأمل هذه الآيات، ونتدبر معانيها لندرك حقيقة الصدقة وفائدتها؛ حيث يقول الله تعالى: (وَأَنفِقُوا مِن ما رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ).
وفي القصة التي قصصتها عليكم لابد لنا من وقفتين:
الوقفة الأولى..
هناك من يقول: "احذر عدوك مرة وصديقك ألف مرة"!! ولكني أرى أن تلك المقولة خاطئة؛ لأن الصديق الذي يؤذي صديقه ليس بصديق بالمرة؛ بل هو من رفاق السوء الذين يجب أن نتجنبهم، وفي المقابل علينا أن نحرص على معاشرة الأصدقاء الذين يتحلون بوازع ديني قوي، وصفات حميدة، يدلوننا على الخير، ونجد في قربهم سعادةً في الدنيا وصلاحًا في الآخرة، وفي ذلك قال عليه الصلاة والسلام: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخَالِل".
الوقفة الثانية..
هل السحر يضر المسحور؟! ويجيبنا الله تعالى على هذا السؤال في سورة البقرة: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)، فبين الله سبحانه وتعالى لنا أنهم قد يضرون بالسحر؛ لكن بإذن الله، يعني بقضاء الله وقدره.