Close ad
19-1-2019 | 22:50

اليوم الأحد، تعقد في بيروت قمة اقتصادية واجتماعية عربية، هي الرابعة في تاريخ هذه القمم التي بدأت في الكويت، ثم السعودية وبعدها مصر، وأخيرا لبنان.

وكنت قد حضرت القمة الأولى في الكويت عام 2009، وتابعت قراراتها الطموحة جدًا في سبيل إنتاج حالة عربية تلامس حاجة الشارع العربي نحو الوحدة الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك حرية الحركة والانتقال والاستثمار..

ووافقت قمة الكويت التي حضرها 17 من قادة الدول، في ظاهرة نادرًا ما تتكرر على مشروعات في غاية الأهمية، منها الربط الكهربائي العربي، والربط البري بين الدول العربية عبر السكك الحديدية، وكذلك بدء إجراءات الاتحاد الجمركي العربي اعتبارًا من عام 2010، والتطبيق الكامل بدءًا من عام 2015، تمهيدًا للوصول إلى السوق العربية المشتركة.. وتكليف المجلس الوزاري العربي للمياه بوضع إستراتيجية للأمن المائي في المنطقة العربية لمواجهة التحديات والمتطلبات المستقبلية للتنمية المستدامة، والعمل على خفض البطالة العربية إلى النصف بحلول عام 2020، ومشروع آخر للحد من الفقر في العالم العربي.

نأتي إلى ما تحقق من هذه القرارات والتوصيات والمشروعات، لنجد أنفسنا مطبقين اليد على ماء.. فالربط الكهربائي العربي لم يتحقق على الرغم من الطلب المتزايد على الكهرباء في المنطقة العربية، وقد حاولت مجموعات دول مبكرًا تحقيق هذا الربط، سواء على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، دول المغرب العربي، ومشروع ربط ثماني يضم مصر والعراق والأردن وسوريا ولبنان وفلسطين وليبيا وتركيا، ولأسباب سياسية لم تمض مشروعات الربط مطلقًا، وغالبا ما يتم الاستعاضة عنها بروابط ثنائية فقط.

أما مشروع الربط البري بالسكك الحديدية، فلم نر قطارا واحدا يذهب بنا من أي عاصمة عربية إلى عاصمة أخرى حتى الآن، بينما تروج إسرائيل حاليا لقطار من حيفا إلى مسقط، في ظاهرة تقريب المسافات بين شعوب الدول التي سيمر عبرها القطار، وفي باطنه منافسة شرسة لقناة السويس.

بينما الاتحاد الجمركي أو قرب الوصول إلى سوق عربية مشتركة يقول مسئولون عرب، إنه قريب، لكن يبدو أنه قريب في الدراسات والأبحاث، وعن خفض البطالة والحد من الفقر، فهي لا تزال فكرة رومانسية، لأن أعداد العاطلين عن العمل والذاهبين إلى منطقة الفقر في العالم العربي يزدادون بشكل مأساوي.

ننتقل إلى القمة الاقتصادية الاجتماعية التالية في شرم الشيخ، في ظل اندلاع ثورة الياسمين في تونس، وبعدها بأيام ثورة يناير في مصر، ثم ليبيا فاليمن فسوريا، لكن القمة اتخذت قرارات، هي إعادة تدوير لقرارات قمة الكويت، وهو نفس ما فعلته قمة الرياض في عام 2013، وإن كانت بصيغ مختلفة.

وها نحن أمام استحقاق القمة الرابعة، وكل ما نتمناه صدور قرارات قابلة للتنفيذ، والتواضع في الأحلام، بحيث يمكن تحقيق هدف واحد مما يجرى التفكير أو التخطيط له.

لست مع إيقاف منظومة الانعقاد الدوري لهذه القمم لأنها في تصوري تحقق أهدافا عدة، حيث يجرى فيها التداول سياسيا، قد تحقق بعض المصالحات، وتنفتح بعض الجراح، مثلما حدث في الاجتماعات التحضيرية لقمة بيروت، وحرق علم ليبيا، وحديث البعض عن أهمية عودة سوريا إلى مقعدها في مجالس جامعة الدول العربية، وعن طريقها أيضا يتم تقدم بعض المساعدات المالية، وكذلك تتيح فرص للقاء على مستوى جماعي ورفيع المستوى من الوزراء والقادة، حيث يجرى تبادل للأفكار، وتليين بعض الخشونة ما بين بعض العواصم.

وليس معنى الفشل في تحقيق القرارات المتخذة أن نتوقف عن اتخاذها، لكن أن نعمل على تحقيقها.

والقمة التي تنعقد في بيروت، اليوم، تحت شعار "الإنسان محور التنمية: الاستثمار في الإنسان"، تؤكد الرؤية الصائبة في فكرة أو مبدأ مخاطبة المواطن، فالأزمات التي يعيشها المواطن العربي، ووسائل الاتصال الحديثة وتقدمها المذهل، والتي يرتبط بها المواطن العربي فقيرًا كان أو غنيا، تجعل المواطن هو سيد الموقف، وبالتالي فهمه للأمور جوهري وأساسي في كل ما تفكر فيه أو تخطط له الحكومات العربية، وإلا سينهار كل تخطيط فجأة ومن دون مقدمات.

ومن بين البنود المعروضة على القمة موضوع الأمن الغذائي العربي، وكان تم عرضه أيضًا على قمة الكويت وما بعدها، ومازلت أظن أن هذا البند يمكن أن تتفاعل الحكومات العربية معه، لأن ما من دولة عربية لديها أمن غذائي كاف، وبالتالي من الضروري الوصول إلى هذا الأمن بشكل جماعي، والكل يعرف أن الإمكانيات متوافرة، ولكن الناقص هو إخلاص النوايا.

أما بند الربط بالسكك الحديدية، فإن تمد كل دولة سكتها الحديدية كيلو مترات غربًا أو شرقًا فإنها ستتصل بسكك حديد الدولة المجاورة، أليس بالإمكان البدء في ذلك، وإذا لم يكن ممكنا فعل ذلك بشكل جماعي فعلى الأقل أن تحقق دولتان متجاورتان الفكرة نفسها، ربما يكون البطء في التنفيذ له دوافع سياسية أو صعوبات تمويلية لكن انطلاق القطار على القضبان قد يذيب الدوافع والصعوبات وربما إلى الأبد.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة