إن المشرع قد أوجب على الدولة إلزام المنشَات الصناعية والزراعية بإجراء المعالجات عند قيامها بالصرف على تلك البحيرات على نفقتها الخاصة، وعند امتناعهم عن ذلك أوجب المشرع إجراء المعالجة على نفقة المخالفين، وهذا الالتزام القانونى تم التراخى فيه عدة سنوات طويلة، لكن دعوة السيد الرئيس بعودة بحيرة مريوط من شأنها تفعيل الالتزامات القانونية لحقوق الدولة في البيئة والحفاظ على بحيراتها، مما يلقى على عاتق المسئولين بمواجهة أى تهان أو تجاوز تجاه البحيرة بحزم وإصرار، وهو ما يقتضى استنهاض الهمم من المسئولين كل في تخصصه، لوضع الالتزامات القانونية التى فرضتها التشريعات المتعلقة بالبيئة والمتصلة بالمسطحات المائية والبحيرات موضع التطبيق الفعلى، دونما استثناء لتعود بحيرة مريوط كما كانت نقية وبيضاء من غير سوء، وغير متعدٍ عليها.
وأنه باستقراء أحكام التشريعات المتصلة بشئون البيئة والمياه والبحيرات، منها القانون رقم 48 لسنة 1982 بشأن حماية نهر النيل والمجاري المائية من التلوث ولائحته التنفيذية، والقانون رقم 124 لسنة 1983 في شأن صيد الأسماك والأحياء المائية وتنظيم المزارع السمكية، والقانون رقم 4 لسنة 1994 بشأن البيئة ولائحته التنفيذية، قد تضافرت جميعها على حظر صرف أو إلقاء المخلفات الصلبة أو السائلة أو الغازية التي تصدر من المنشآت جميعها، وعمليات الصرف الصحي في مجاري المياه ومنها البحيرات، وأنه في حالة الترخيص بصرف هذه المخلفات، فإن على الجهة المرخصة بذلك، أن تراعي المعايير والمواصفات المقررة قانونًا، بحيث يتعين فيما يرخص بصرفه على المجاري المائية والبحيرات أن يكون الصرف معالجًا، وفق المعايير التي حددها القانون تحديدًا.
وإن القانون الزم الجهة الإدارية أن تجرى تحليلات متعاقبة دورية وغير دورية ومفاجئة للوقوف على أن صرف هذه المخلفات لا يتجاوز الحدود القصوي للمعايير والمواصفات لكل من مياه الصرف الصحي والمخلفات الصناعية السائلة التي يرخص بصرفها إلى مسطحات المياه غير العذبة ومن بينها البحيرات، طبقا لقانون حماية نهر النيل والمجاري المائية من التلوث.
إن المشرع لم يجعل من إجراء التحليلات على عينات مما يصب في البحيرات غاية في ذاته، وإنما رتب حكمًا مقتضاه أنه إذا ثبت أن صرف تلك المخلفات يخالف المواصفات والمعايير المحددة قانونًا، بحيث يترتب على هذا الصرف ثمة خطورة تكشف عن تلوث مجاري المياه أو البحيرات، فيتعين إزالة مسببات الضرر فورًا، أي أنه يتعين صراحة وقف الصرف فورًا، وسحب الترخيص به دون توانٍ.
أن المشرع ألزم الجهة الإدارية المختصة أن تراقب معالجة المخلفات، التي تلتزم بها الجهات التي يصرح لها بإلقاء مخلفاتها على المسطحات المائية، أن تحقق من مطابقة هذه المخلفات للمواصفات والمعايير المحددة قانونا، ولخطورة الصرف على المسطحات المائية، ومنها البحيرات، حرص المشرع بصدد المواد الكيماوية اللازمة للمعالجة، ألا يكون من شأن استعمالها تلوث مجاري المياه، مما يكشف عن تشدد المشرع وغاية حرصه على نقاء المسطحات المائية والبحيرات، للحيلولة دون تلوثها، لما تشكله من ثروة قومية، وما ينتج عن التلوث من أضرار بالبيئة والإنسان والكائنات.
وإن البحيرات المصرية أضحت خلال عقدين سابقين من الزمان محاصرة بالأمراض البيئية على الرغم من أن المشرع خص البحيرات بحكم خاص، بألا تزيد عدد البكتريا في مصايد الأسماك على حد معين نص عليه في اللائحة التنفيذية لقانون حماية نهر النيل والمجاري المائية من التلوث، وذلك حفاظا على الثروة السمكية، وعدم تأثير صرف المخلفات على مصايد الاسماك، بل إن المشرع رصد عقوبات جنائية على مخالفة أحكامه سالفة البيان، محافظة على نقاء البيئة بما يكفل عدم تعرض الإنسان أو الحيوان أو النبات أو البحيرات وسائر مكونات البيئة، من أية أضرار تؤثر على البيئة بما يقلل من قيمتها أو يشوه من طبيعتها البيئية أو يستنزف مواردها أو يضر بالكائنات الحية، مستهدفا بذلك اضفاء الحماية والمحافظة على مكونات البيئة، والارتقاء بها، ومنع تدهورها، أو تلوثها، للحيلولة دون حدوث ما يهدد صحة الانسان أو يعوق الأنشطة المائية بما في ذلك صيد الأسماك، والأنشطة السياحية، والمحافظة على صلاحية مياه البحيرات دون تغيير خواصها أو ينتقص من التمتع بها على أي نحو كان.
وإن المتتبع للأبحاث العلمية للعلماء والباحثين والجهات المعنية بالبحوث المائية والبيئية يجد أنهم قرروا أنه لا يوجد التزام بالحفاظ على المواصفات والمعايير التى أوجبتها التشريعات المتنوعة في مخلفات الصرف الصناعي والزراعي والصحي التى تجد طريقا سهلا للتخلص منها في مياه بحيرة مريوط، ودون الوقوف على مقدار المعالجة التى استوجبتها تلك التشريعات، بل إن هؤلاء العلماء دونوا في أبحاثهم المائية أن التحليلات والتجارب التى أجروها على مياه بحيرة مريوط قد كشفت عن أحدث جريمة، عن تشبعها بالملوثات والسموم، التى أثرت فعلا على خواصها، وأفسدت وأضرت الكائنات الحية فيها، وأدت إلى نفوق أعداد تفوق الحصر من الأسماك، بل إن الاسماك التى تجوب هذه البحيرات قد غدت ملوثة بحيث تؤثر على صحة المواطنين تأثيرا مؤكدا، كما أن حصيلة الصيد اضمحلت إلى حد لم يجد الصيادون فيه دورا لهم للاستمرار في مهنتهم، فالصيد قليل، ومشوب بالمرض والسوء، مما ينعكس على حالتهم الاجتماعية والاقتصادية.
كاتب المقال:
نائب رئيس مجلس الدولة