نفس الأسباب تؤدي حتما إلى نفس النتائج.. قال إينشتاين: "الغباء هو تكرار فعل نفس الشيء عدة مرات وتوقع نتائج مختلفة".
المعاقون في مصر أو "أصحاب الهمم" كما أطلقت عليهم الدولة هذه التسمية قريبا.. يعانون أشد المعاناة من تكرار نفس الفعل كل مرة ليحصلوا على نفس النتيجة.. والمعنى تحديداً.. أن يطلب منهم أن يثبتوا أنهم معاقون في كل مرة يتوجهون فيها لقضاء أمر ما أو مصلحة ما تتعلق بإعاقتهم.
فيحصلوا على نفس النتيجة (أنهم معاقون).
يبدو الأمر غير بديهي أو ضربا من الجنون.. ولكن ــ مع الروتين والتكرار ــ الحقيقة في كثير من الأوقات أغرب من الخيال.
فالمعاق حينما يرغب في استخراج كارنيها لأوتوبيس هيئة النقل العام لابد أن يحضر شهادة من القومسيون الطبي أنه "صاحب همة".
أما إن أراد أن يحصل على سيارة جديدة فلابد أن يكشف مرة أخرى في القومسيون الطبي ليثبت أنه معاق.. وإن أراد الحصول على موتوسيكل من الجامعة أو كرسي متحرك عليه أن يكشف مرة أخرى ليثبت أنه مازال معاقاً.
تماما مثلما كان يطلب موظفو البيروقراطية شهادة من الشخص الواقف أمامهم، مختومة من اثنين موظفين أنه مازال على قيد الحياة.
الكشف مرة وراء الأخرى لا يتوقف، وفي نفس الوقت لا يخرج إلا بنتيجة واحدة فقط.. أن المعاق معاق أو أن المعاق من "أصحاب الهمم" - لا فرق – أو أحمد مثل الحاج أحمد (على رأى المصريين)، لم يتحول إلى طائر يطير في الهواء أو حوت يسبح في الماء.. من الحضانة إلى المدرسة إلى الكلية وفي كل مراحل حياته.. ظل كما هو بدون إضافات أو معجزات أو طفرات جينية قد تطرأ عليه.. باستثناء حالات معينة عارضة هامشية.
لذلك أعجبني القانون الذي أصدره الرئيس عبدالفتاح السيسي، بعد موافقة مجلس الشعب، وهو القانون 10 لسنة 2018 بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة؛ فالقانون جاء لينهي مأساة تكرار نفس الفعل، جاء ليلقي الكرة في ملعب وزارة الصحة ومن بعدها وزارة التضامن الاجتماعي.
يقول القانون نصا في مادته الخامسة: "تصدر وزارة التضامن الاجتماعي بالتنسيق مع وزارة الصحة والسكان لكل شخص ذي إعاقة بطاقة إثبات الإعاقة والخدمات المتكاملة وتعد له ملفا صحيا، وذلك بناء على تشخيص طبي معتمد، ويعتد بالبيانات التي تتضمنها هذه البطاقة في إثبات الإعاقة ودرجتها ونوعها أمام جميع الجهات ذات الشأن، التي يتعامل معها الشخص ذوي الإعاقة سواء كانت حكومية أو غير حكومية بما في ذلك جهات التحقيق والمحاكمة، وتجدد تلك البطاقة كل سبع سنوات، إلا إذا حدث تطور في حالة إعاقته يقتضي إدراجها".
هذا الفقرة رائعة حيث تنهي معاناة الكشف المتكرر للمعاقين في أرض المحروسة.. حيث تهدم حكمة أينيشتاين عن تكرار نفس الفعل مع تحقيق نفس النتائج.. وتقول إن بطاقته هذه تقبل أمام جميع الجهات، فلا حاجة للكشف الطبي مرة بعد الأخرى.
أما المادة السادسة في نفس القانون والتي أتمنى أن تطبق الآن قبل غد على الجميع وعلى الكل.. وفيها نصا: "تلتزم وزارة الصحة والسكان بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي والمجلس في بناء قاعدة بيانات خاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة تستخدم في تخطيط وتنفيذ ومتابعة تقديم الخدمات الصحية المختلفة مع مراعاة سرية بياناتها.
شخصيا تحدثت عن المادة السادسة مع إحدى القيادات في وزارة الاتصالات من قبل، وهم مستعدون لتلقي تلك البيانات ومعالجتها، ومن ثم إصدار كارت موحد للمعاق ليقضي به كل ما يمت لمصالحه في مصر.
القانون الذي يبحث عنه المعاقون كأنه حلم أصبح موجودًا.. يبقى أن تنفذه وزارة الصحة.. وتطلق كارنيه واحد فقط يسير به المعاق في القطارات والأوتوبيسات وكل المصالح الحكومية.. فلا يطلب منه أحد آخر أن يعيد الكشف مرة أخرى.
الكرة في ملعب وزارة الصحة، فهل تبدأ في اتخاذ اللازم؟! أتمنى.
تويتر: @Tantawipress