Close ad

هكذا يزيفون تاريخنا!

18-1-2019 | 13:57

استوقفني مستفزًا خبر نشر أمس الأول الأربعاء بأحد المواقع الإخبارية مفاده أن إسرائيل تواصل تزييف التاريخ، وتمحو آثار بلدة إسلامية مكتشفة حديثا، قرب القدس المحتلة يعود تاريخها قبل 1200 عام خلال فترة حكم الخلفاء العباسيين والفاطميين، تضم عشرات المباني، وعلماء الآثار الإسرائيليون عثروا بها على نقوش عربية تقتبس آيات من القرآن الكريم، ووجدوا أدلة كافية على الهوية الدينية الإسلامية للبلدة.

قد يكون الخبر عاديا للكثير جدا ممن لا يهتمون بالشأن العربي والتاريخي والإسلامي والحضاري لأمتنا الإسلامية، لكن ما أثار حفيظتي وحنقي، أن الاحتلال الصهيوني لم يكتف فقط بسلب واغتصاب الأرض العربية، بل يمعن إمعانا في تدمير تاريخنا الإسلامي وتشويهه وتزييفه، بشكل فج مجحف، فلابد من وقفة لهذا السطو والسرقة والنهب والتشويه الممنهج له ولحضارتنا الإسلامية التي صارت إناء وقصعة لكل "من هب ودب" يولغ فيها.

القصة أن وسائل إعلام عبرية كشفت عن قيام علماء آثار إسرائيليين بالتنقيب مؤخرا بالقرب من مستوطنة "موديعين" بالضفة الغربية المتاخمة لمدينة القدس المحتلة، فاكتشفوا بقايا بلدة مزدهرة يعود تاريخها إلى الفترة الإسلامية الأولى، قبل نحو 1200 عام، تضم منازل فخمة مزينة بالفسيفساء والأقواس وآبار للمياه ومعاصر للزيتون وورش للزجاج تعود للحقب الإسلامية المتعاقبة، وأن سكان البلدة كانوا من المسلمين والمسيحيين، إذ عثر علماء الآثار على صلبان محفورة على حجارة معاصر الزيتون وأجزاء من نقوش باللغة اليونانية، وهى اللغة المكتوبة التي استخدمها المسيحيون في المنطقة، كما تم العثور في أحد المنازل على تذكار مسيحي من رحلة حج مصنوع من الفخار، من المحتمل أنه تم جلبه من مصر، كما اكتشف علماء الآثار هناك أوزانا زجاجية تحمل نقوشا عربية، استخدمت لوزن العملات المعدنية بدقة كبيرة، ويبدو أن بعض النقوش تقتبس آية من القرآن الكريم.

وتم الإعلان عن أن البلدة الإسلامية التاريخية تلك، ستسلمها سلطات الاحتلال لرجال أعمال إسرائيليين، وستتم تغطية الآثار وتدميرها قريبا، لصالح بناء مركز لوجستي جديد للمستوطنة المجاورة للبلدة، مما أثار القرار الدهشة لدى سلطة الآثار الإسرائيلية وعلمائها وسكان المنطقة السماح بالبناء في الموقع الأثري، الذين أكدوا أن السلطات تسارع إلى الموافقة على خطط للبناء حتى عندما يتم اكتشاف آثار قديمة مهمة، وهذا ما دفع "ماريون ستون" الناشطة من اجل المحافظة على المكان بأن تعترف : "لقد تم العثور على الكثير من الأدلة وتم تدمير الكثير من البقايا، وبما أنه تم العثور على الكثير من المواقع الأثرية فى المنطقة، فأنه لا ينبغي السماح ببناء العقارات في المنطقة"، مطالبة السلطات بوقف هدم البلدة وإعداد الموقع للزوار. مصرحة: "هذا مكان رائع، وتدمير شيء كهذا يعتبر جريمة".

ما أراه جميلا في تلك المأساة أن يعترف علماء الآثار اليهود بفضل وجميل الفتح الإسلامي على تلك البلاد المختلفة، وذلك عندما يصرح العالم "عوزي دهاري" النائب السابق لمدير سلطة الآثار الإسرائيلية، وفقا لـ "هاآرتس": " النتائج في النبي زكريا تشير إلى انتقال هادئ بعد أن دخلت الجيوش الإسلامية المنطقة وفتحتها وحررتها من الإمبراطورية البيزنطية في النصف الأول من القرن السابع".

لكن هل انتهت قصة طمس الحقائق وتزييف ومحو تاريخنا من الجانب الإسرائيلي؟ أجيب بلا، فلن تنتهي ما بقيت أرض وسماء، الدليل ذلك التقرير الذي أذيع في السادس من الشهر الجاري بالقناة الثانية الإسرائيلية، وفيه أن إسرائيل تعرض تقديراتها بشكل رسمي لسعر ممتلكاتها اليهودية المتبقية في الدولتين العربيتين تونس وليبيا فقط، بمبلغ يتعدى 50 مليار دولار، مضيفا أن المبلغ الإجمالي المتوقع وصوله إلى 250 مليار دولار.

هذه التقديرات جرت بعد أن صرح ترامب عن نيته الإعلان عن صفقة القرن، في إطار الاستعدادات لبرنامج السلام الأمريكي، والنوايا الإسرائيلية لطلب الحصول على تعويضات مقابل الممتلكات اليهودية المتبقية في الدول العربية المغرب، العراق، سوريا، مصر، اليمن، وإيران، ومنذ صادق الكنيست عام 2010 على قانون يلزم أن تتضمن مفاوضات السلام قضية التعويضات مقابل الممتلكات اليهودية في الدول العربية بما فيها إيران.

يبقى لنا معرفة أن هذه الأموال لن ترجع بشكل شخصي إلى أصحابها، بل ستنقل في إطار صندوق دولي إلى الدولة العبرية، وسترأس هذه الخطوة، "جيلا جملئيل" المثيرة للجدل بتصريحاتها، وزيرة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية المتطرفة التابعة لحزب الليكود، التي صرحت من قبل بأن "سيناء هي أفضل مكان للفلسطينيين لإقامة دولتهم".

المؤسف على تاريخنا وحضارتنا الإسلامية، أن يتولى التصدي لهما ولرموزهما، تنظيرا وتقييما، في وسائل إعلامنا المختلفة، من هم له كارهون ومنكرون من بني جلدتنا، وان من يقوم بتعليمه وتدريسه في جامعات أوروبا المختلفة مستشرقون يهود وصهاينة وماسونيين، خاصة فيينا وهولندا، كما في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة أمستردام الحرة، وفق ما ذكر لي أحد مفكرينا الكبار والتقى بهم.

لكن يبقى الأمل والخيرية دائما في مؤرخينا المسلمين الثقات، علمائنا أساتذة التاريخ والحضارة الإسلامية في جامعاتنا المختلفة محليا ودوليا، وشباب الباحثين، ولجنة التاريخ والحضارة بهيئة كبار العلماء، ولجنتي التاريخ والمحتوى بمشروع ذاكرة الأزهر، واتحاد المؤرخين العرب، واتحاد الأثاريين العرب، في تنقيته عبر عمل دولي يشترك فيه العالم الإسلامي، كل بسهمه، حتى لا نترك تاريخنا الإسلامي وحضارتنا وآثارنا الإسلامية نهبا لهذا وذاك.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
المعذرة العملية لله ورسوله

المعذرة العملية لله ورسوله

ملتقى القاهرة الدولي الخامس للخط العربي

بادئ ذي بدء، أسجل عشقي وهيامي بفن الخط العربي كفن إسلامي أصيل يأخذ بالأفئدة والألباب قبل أخذ الأبصار، ذلك أنه حاضن رئيس لوعاء هويتنا العربية والإسلامية

عمارة.. ونشر علمه وفكره

عمارة.. ونشر علمه وفكره

صناعة التطرف والعنف .. بفيلم كارتون

أثار انتباهي هذا التقرير المنشور للزميلة إيمان عباس بـ"بوابة الأهرام" تحت عنوان (صناعة التطرف والعنف تبدأ بـ"قصة وفيلم كارتون".. والبرلمان يفتح الملف)،

تعلموا الحب الحقيقي

لا حديث الأمس واليوم وغدًا، يسيطر على عقول الكثير منا، إلا الحديث عن "عيد الحب"، "الفلانتين" والترتيب لإحياء ذكراه، لينعم فيه كل محب بحبيبه - حالمًا وواهمًا

القاهرة عاصمة للثقافة الإسلامية

في خبر سار يضاهي واقع ومكانة قاهرتنا وتاريخها الإسلامي التليد، أعلن في التاسع عشر من الشهر الماضي - وعبر المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو"-

الطيب.. والخشت.. وأهل الفتن

الطيب.. والخشت.. وأهل الفتن

الليبرالية .. التخلص من قيود السلطات الثلاث

الليبرالية .. التخلص من قيود السلطات الثلاث

حضارة نبينا.. نموذج عملي لحياتنا

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وقلم الظفر، ونتف الآباط

متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟

عطفًا على حديثي بمقالي السابق "هذا هو الإسلام"، الذي تحدثت فيه عن حملة وزارة الأوقاف العالمية الدعوية "هذا هو الإسلام"، التي أطلقتها لهذا العام بأكثر من

هذا هو الإسلام

جميل، وبديع، ومثمن، صنيع وزارة الأوقاف حين أطلقت حملتها العالمية الدعوية لهذا العام "هذا هو الإسلام" بأكثر من عشرين لغة، بيانا لصحيح الإسلام للدنيا بأسرها،

الأكثر قراءة